المسؤولية الجديدة الواقعة على الأطباء الذين يمارسون التعذيب

المسؤولية الجديدة الواقعة على الأطباء الذين يمارسون التعذيب

الدكتور ستيفن مايلز/ ترجمة الدكتور وليد البني

 توطئة

لم تنل الدراسات والأعمال والتقارير المتعلقة بسلامة النفس والجسد والمحاسبة القانونية للأطباء المتواطئين في جريمة التعذيب حقها في اللغة العربية. ولعل أول عمل جدي صدر في مطلع التسيعنيات عن منظمة العفو الدولية (كتاب الأطباء والتعذيب بين المشاركة والصمود وهي الترجمة العربية لكتاب أصدرته المنظمة في 1989). ومنذ ولادتها أطلقت اللجنة العربية لحقوق الإنسان مشروعا فكريا وقانونيا لسلامة النفس والجسد كانت أولى إصداراته في الكتاب الجماعي (التعذيب في العالم العربي في القرن العشرين 1998 بالعربية والفرنسية) وقد تناول الباحث الفلسطيني عصام يونس موضوع الأطباء والتعذيب في دراسة متميزة بعنوان: جلادون في ثياب بيضاء، الموظفون الصحيون والتعذيب في السجون الإسرائيلية. وبعد تقارير عديدة وملاحقات قضائية أصدرت اللجنة العربية لحقوق الإنسان في 2003 كتاب (تاريخ التعذيب وأصول تحريمه في الإسلام) والطبعة العربية لكتاب (الطبيب أمام ضحية التعذيب) في 2007. وفي 2008 صدر عن جمعية الوقاية من التعذيب ومركز العدالة والقانون الدولي كتاب (التعذيب في القانون الدولي، دليل الفقه القانوني). كذلك شاركت شخصيات عربية عديدة فيما يعرف ببروتوكول اسطنبول الصادر عن الأمم المتحدة. ويمكن القول أن التوثيق المتقدم قد شمل بلدان هامة مثل مصر والجزائر وسورية والعراق والمغرب واليمن والسجون الإسرائيلية كذلك شملت عدة دعاوى قضائية ضمن الاختصاص الجنائي العالمي ملاحقة مسئولين وأطباء للتواطؤ في جريمة التعذيب. إلا أنه وبالرغم من كون اتفاقية مناهضة التعذيب تسمح بملاحقات قضائية خارج الأرض والبلد لمن يرتكب هذه الجريمة. ما زال هناك شبه غياب محاسبة خاصة للطواقم الطبية التي تشارك في جريمة التعذيب. من هنا أهمية هذه الدراسة وضرورة تعزيز الوعي العام بدور كل من يغطي أو يشارك أو يأمر بجريمة التعذيب كما تنص المادة العاشرة من اتفاقية مناهضة التعذيب.

المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان

المسؤولية الجديدة الواقعة على الأطباء الذين يمارسون التعذيب

أصبح الأطباء جزءا أساسيا في الأنماط الجديدة من أساليب التعذيب. فهم من يساعد أجهزة القمع في تطبيق أساليب من التعذيب تخفض إلى الحد الأدنى أثار التعذيب التي يمكن استخدامها كأدلة على حدوثه. وهم يساعدون على تطبيق أساليب تعذيب تتناسب والحالة الصحية للسجين الذي لا يراد قتله تحت التعذيب،  بحيث يبقى على قيد الحياة أثناء ممارسة عمليات التعذيب عليه،  كما أنهم يقومون بمعالجة أثار التعذيب قبل إعادة السجين مرة أخرى الى مراكز الاعتقال التي يتم فيها التعذيب.

هم أيضا من يقومون بتزوير السجلات الطبية وشهادات الوفاة لإخفاء حالات التعذيب. هذه التصرفات هي الصيغة التي تُظهر التواطؤ الذي يقوم به الأطباء لتحطيم معنويات السجناء وتثبيط عزائمهم.

إن المعايير الأخلاقية الطبية والقانون الدولي يدينان بشكل غير قابل للشك تواطؤ الأطباء في عمليات التعذيب، كما أن القانون الذي كان يمنح حصانة للأطباء الذين يتواطئون في عمليات التعذيب قد تبدل.

منذ الحرب العالمية الثانية مرت حركة الحقوق الإنسانية الدولية بثلاث مراحل من التطور:

المرحلة الأولى:

إدراج تصريح رسمي طَموح بهذا الخصوص. هذه المرحلة بدأت مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام ١٩٤٨ والذي لا يزال مُستمرا الى الآن من خلال المعاهدات والتفصيلات المتعددة الخاصة بحقوق الإنسان والتي ادانت السياسات والأعمال التي تنتهك هذه الحقوق.

من بين هذه المعاهدات اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩، وأيضا اتفاقية ١٩٨٤ ضد التعذيب والممارسات والمعاملات أو العقوبات المنتهكة لكرامة الإنسان، ومبادئ هيئة الأمم المتحدة لعام ١٩٨٨ الخاصة بحماية الأشخاص الذين هم قيد التوقيف أو الاعتقال بغض النظر عن سبب هذا التوقيف أو الاعتقال.

المرحلة الثانية:

تمثلت هذه المرحلة بتأسيس منظمة العفو الدولية عام ١٩٦١ المخصصة للحماية من انتهاكات حقوق الإنسان. هناك منظمات متعددة تتابع هذا العمل في الوقت الراهن.

المرحلة الثالثة:

وهي التي تم فيها فضح والتشهير بكل أنظمة الحكم والقادة الذين ينتهكون حقوق الإنسان  وتم فيها ممارسة الضغوط لجعل  المسئولين الحكوميين الذين يحرضون على أو يساهمون في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عرضة للملاحقة القانونية والعقوبة. وقد اعتبرت محاكمات نورمبرغ كبداية لهذه المرحلة ولكنها لم تضع بنية مؤسسية لجعلها سابقة يمكن متابعتها. لذلك قد يكون رأي سيكينك هو الأصح باعتبار أن عام ١٩٧٥ يوم تمت محاكمة الطغمة العسكرية اليونانية والبرتغالية أمام محاكم وطنية هو بداية المرحلة الثالثة وليس نورمبرغ. وأيضا المحكمة الجنائية الدولية التي  باشرت صلاحياتها عام ٢٠٠٢ والتي تمكنت بواسطتها العديد من الشعوب من محاكمة  ومعاقبة قادتها الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.

التطور الموازي فيما يتعلق بدور الأطباء في عمليات التعذيب، لم يلق عليه الضوء كما يجب؛ 

مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية انعقدت في باريس الجمعية الطبية العالمية وهي مؤتمر لنقابات الأطباء الوطنية، وعلى مدى خمسة عقود أدرجت سلسلة من النُظم التي تحدد مهام الأطباء العسكريين وأطباء السجون التي تتوافق والقانون الدولي، المهام التي تقوم على الرعاية الصحية للسجناء وتمتنع عن أي عمل مباشر أو غير مباشر يعتبر تواطأَ في عمليات تعذيب.

هذه المعايير الناظمة لعمل هؤلاء الأطباء تم تبني ما يشابهها من قبل الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والعديد جدا من الجمعيات الطبية في العالم. كما أن الشبكة المهنية المعنية بالشؤون الطبية التابعة لمنظمة العفو الدولية والعديد من الجمعيات الطبية تحدثت عن ضرورة تأمين الحماية للأطباء الذين يتعرضون للخطر انتقاما لموقفهم ضد التعذيب أو العمل على كشف الحالات التي يعرفونها.

منذ ذاك الوقت، وما عدا محاكمة الأطباء النازيين في نورمبرغ عام ١٩٤٧، لم تجر معاقبة أي طبيب مهنيا أو جنائيا حتى عام ١٩٧٥ حيث قامت محكمة يونانية عسكرية بالحكم على الدكتور ديميتريوس كوفاس بسبب تواطؤه في عمليات تعذيب.

وبعد عام ١٩٧٥ تتالت عمليات محاكمة ومعاقبة أطباء بنفس الجرم، حصل ذلك عام ١٩٨٠ في الأرجنتين وتشيلي وجنوب إفريقيا والأورغواي حيث حرت محاسبة ومعاقبة أطباء بجرم التعذيب. كذلك في البرازيل ورواندا في التسعينيات، وفي باكستان وسيرلانكا  تمت معاقبة أطباء في العقد الأول من القرن الحالي. ومنذ عام ٢٠١٠ تبعهم ثلاث محاكمات في كل من غوايانا وإيطاليا والمملكة المتحدة. بعض الدول لديها حالة واحدة  فقط ولكن هناك دول حركت إجراءات قضائية ضد أطباء استغرقت سنوات، آخر حالة كانت الحكم على طبيب أرجنتيني بالسجن سبع سنوات عام ٢٠١٣.

في الثلاثة عشر سنة  الأخيرة تمت معاقبة ٣٦ طبيب بسبب جرائم ضد الإنسانية، أي أكثر من جميع ما تم ما بين عامي ١٩٧٥ و٢٠٠٠. في مصر وروسيا والولايات المتحدة أيضا تحركت إجراءات قضائية  أو مهنية لم تصدر عنها أحكام ضد  أطباء.  ثلثا هذه المحاكمات كانت بسبب خرق لائحة أصول العمل المهني أثناء الحروب والثلث الآخر كان بسبب أعمال جرمية ارتكبت أثناء الحرب.

بالرغم من هذا التقدم إلا أن الإفلات من العقاب بقي هو السائد، لقد تم تسجيل وبشكل موثوق حالات مشاركة لأطباء في عمليات تعذيب في أكثر من سبعين بلدا، ولم تتم محاسبة أي طبيب منهم، بالإضافة الى انه حتى في الدول التي تمت ملاحقة بعض الأطباء فيها لنفس السبب، جرى ترك الكثير من الذين ارتكبوا نفس الجرائم دون ملاحقة قانونية.

إن تحصين الأطباء من العقوبة في جرائم التعذيب تحمل أبعاد إنسانية ومؤسسية، الأبعاد الإنسانية في أن الأطباء سيشاركون في تعذيب اشخاص دون الخوف من أية عواقب كالسجن أو فقدان رخص العمل. والأبعاد المؤسساتية تحصل عندما لا يتم تحميل المسؤولية للمحاكم آو نقابات الأطباء أو الجهات المانحة لترخيص العمل عند تقصيرها بواجبها في معاقبة الأطباء الذين يساهمون في عمليات تعذيب، إن مثل هذه الحصانة تفصم العلاقة بين المعاهدات المضادة للتعذيب والجهود الرامية الى حظر التعذيب. الجهود الرامية الى حظر التعذيب تتطلب التركيز على معاقبة الأطباء الذين يقومون بذلك والإلحاح على المؤسسات القضائية والنقابية على ضرورة تحمل مسؤولياتها في المساعدة على هذا الأمر.

لا بد هنا من الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم يمض على انتشارها بشكل واسع أكثر من عقد، مثل الانترنت والهواتف المحمولة  أصبحت وبشكل متصاعد تشكل وسيلة جيدة لإيصال المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان وانتهاكاتها وخاصة الى الأشخاص أصحاب المصلحة في الحصول على مثل هذه المعلومات كنشطاء حقوق الإنسان أو الطرق التي تمكن من يتعرض لانتهاكات بالتبليغ عنها.

مثال على الجهد المجتمعي لمحاسبة الأطباء من أجل اشتراكهم في عمليات تعذيب في مرحلة ما قبل الإنترنت كان الجهد الدولي الذي مورس سنويا على نقابة المهن الصحية في جنوب إفريقيا من أجل توبيخ  الأطباء الذين الذي اشتركوا في التعذيب   الذي أدى الى وفاة الناشط ضد نظام الفصل العنصري ستيفن بيكو.

في هذه الأيام تقوم مجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان في أمريكا الجنوبية ومن ضمنها [Si No Hay Justica,Hay Escarche] وتحت شعار اذا لم يكن هناك عدالة، ليكن هناك شجب واستنكار. بإرسال ملفات لأطباء وضباط آخرين غلى المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي للتحريض  على التظاهر امام منازل ومكاتب هؤلاء الأطباء والضباط. هذه التحركات المستنكرة يغطيها الإعلام بشكل واسع مما يشكل ضغطا على المحاكم والنقابات والجمعيات الطبية ليتخذوا إجراءات ضد هؤلاء.

منظمات حقوق إنسان دولية مثل ال Human Rights Watch ومنظمة العفو الدولية والجمعية الآسيوية لحقوق الإنسان ترسل تقارير خاصة بالدول على الشبكة العنكبوتية يمكن البحث عنها بسهولة حول مواضيع مثل الأطباء والتعذيب.هذا الفضح لهذه الانتهاكات في وسائل التواصل الاجتماعي لعب دورا مهما معاقبة أطباء في سيريلانكا.   المقرر الخاص بالتعذيب التابع للأمم المتحدة يقيم وبشكل روتيني فيما إذا كان أطباء السجون يشاهدون سجناء تعرضوا للتعذيب، أو يسجلون آثار كدمات قد تكون ناتجة عن التعذيب على أجسادهم ويجيب على الشكاوى التي ترد من السجناء ويقوم بنشرها على شبكة user-friendly website.

هذا الاستعمال لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل محاسبة منتهكي حقوق الإنسان يختلف غن الطرق القديمة في استخدام الحملات الشعبية الحاشدة لدعم أو حماية سجناء الرأي ونشطاء حقوق الإنسان.

الموقع الالكتروني الجديد:

مشروع موقع محاسبة الأطباء الذين يمارسون التعذيب :مبني على التجارب والدروس التي تعلمناها من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للدفع قدما بمواضيع حقوق الإنسان والدفاع عنها وهو في جوهره عبارة عن مكتبة فريدة من نوعها تجمع التقارير ذات المصداقية حول: 1-الأطباء الذين عرف عنهم المشاركة في عمليات تعذيب في البلد المعني منذ عام 1975 2-تقارير عن الجمعيات الطبية أو جلسات التحقيقات القانونية التي صدرت عنها عقوبات بحق أطباء مارسوا التعذيب3- وهي أيضا تحتوي على مراجع في القانون الدولي وأيضا المعايير المهنية التي تحدد واجبات الطبيب فيما يتعلق بالتعذيب

هذه المكتبة من الملفات الممكنة التحميل والنسخ ستكون مفيدة للمحاكم، الجمعيات والنقابات الطبية، ومجموعات حقوق الإنسان التي تسعى لمعرفة كيف يمكن محاسبة الأطباء الذين يساهمون في عمليات تعذيب، وخاصة في الدول التي لا تتوفر فيها هكذا ملفات.

الموقع أيضا  يصنف الدول التي يتم فيها تسجيل وتوثيق اسماء الأطباء الذين يشاركون في التعذيب ويقسم هذه الدول الى ثلاث مجموعات أ-الدول التي قامت بمحاسبة ممنهجة للعديد من هؤلاء الأطباء ب-الدول التي قامت بمحاسبة طبيب واحد ارتكب أعمالا بشعة فعلا بشكل رمزي فقط ج-الدول التي لم تقم بمحاسبة أي طبيب.

وهناك وثائق تدعم هذه التصنيفات في كل دولة. هذه الوثائق تظهر معايير الحصانة ووقائع المحاسبة المتصاعدة للأطباء. وهو في نفس الوقت يركز على المفهوم الخاطئ المتداول بأن الإفلات من العقاب أو الحصانة هي التي يجب أن تكون العرف المتبع بالنسبة للأطباء.  التقارير الفردية حول العقوبات التي وقعت على الأطباء تفيد أيضا في إظهار تنوع الثقافات، الحكومات،الإجراءات القضائية والأحكام.

الموقع يتعرض للتحديث بشكل دائم والمعلومات الحديثة يتم التحقق منها بشكل مستقل قبل أن يتم وضعها على الموقع مع الوثائق المؤكدة لواقعيتها، وغالبا ما تكون سجلات رسمية أو تقارير من منظمات دولية معروفة أو منظمات غير حكومية ذات مصداقية، أحيانا يتم إغفال بعض اسماء المشاركين اذا اقتضت الضرورة.

في الشهر الأول من عام 1913امتلك الموقع أكثر من 20000صفحة من أكثر من مائة دولة بدون أية إعلانات أو أي تغطية إعلامية تروج له. الموقع حاليا لا يتضمن المعايير الأخلاقية لجميع نقابات المهن الطبية في الدول المختلفة المتعلقة بواجبات الأطباء فيما يتعلق بالتعذيب، ولكن من المتوقع ، يتم ذلك خلال عام 2014.

الخلاصة:

إن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان تقوم وبشكل متصاعد بالضغط لمساءلة الأطباء الذين يساهمون في عمليات تعذيب بشكل منتظم ومعاقبتهم جنائيا.هذا التطور يحاول أن يجعل هناك تناغما بين  معاير السلوك المهني والعواقب المهنية الناتجة عنه.وهو يذكر الأطباء بأنه لا توجد حدود قانونية أو حصانات مهنية لأحد فيما يتعلق بجريمة التعذيب أو التواطؤ بارتكابها، لا أهمية للسلطة أو الأوامر العسكرية أو نظام الحكم القائم وتشريعاته.إن هذه المحاسبة تعطي أملا للسجناء والمجتمعات المدنية الأوسع بأن العدالة ستأخذ مجراها في حق الأطباء الذين يخونون التزاماتهم الإنسانية التي تفرضها عليهم مهنتهم. كما أنها تدق إسفينا بيين أنظمة الحكم التي تمارس التعذيب ضد شعوبها وبين الأطباء الذين يتخلون عن التزاماتهم الأخلاقية ويتواطئون معهم أو يساعدونهم في إخفاء آثار التعذيب، أو يصمتون عن ما يشاهدونه.

إن محاسبة الأطباء الذين يتواطئون في عمليات التعذيب لا تحل مشاكل أخلاقية عديدة تنشأ عنها. إنها لا تحل مشكلة فيما إذا كان هؤلاء الأطباء أنفسهم سيتعرضون للتعذيب فيما لو رفضوا الأوامر التي تجبرهم على التواطؤ في التعذيب، وهل هذا الأمر سيشكل أرضية قانونية لإعفائهم من العقوبة، وعلى الرغم من المخاوف المحقة التي نشأت من الانتقام البشع الذي تعرض له الطبيب الكوري الشمالي، إلا أن هذا لا يعفي الجمعيات الطبية ونقابات الأطباء والمحاكم أو حتى الأطباء أنفسهم في المجمعات المنفتحة من مسؤولياتها كما في حالة الأطباء الأمريكان الذين اشرفوا على عمليات الإغراق الوهمي أو الأطباء البريطانيين الذين عالجوا بصمت الشخص الذي تعرض لعملية خصي [Mau-Mau]. كما أنها، أي هذه المحاسبة لا تضع خطا واضحا يفصل بين الوضع في الدول الفقيرة التي تعاني أصلا من الافتقار للعناية الصحية وبين الإهمال المقصود والذي يشكل بحد ذاته نوعا من انواع التعذيب في الدول الأغنى. هي أيضا لا تحل مشكلة أي نوع من العقوبة يجب أن يطبق،كما أن بعض الدول ذات العدد المحدود من الأطباء قد تجد مشكلة في شطب جراحا ماهرا من سجل الأطباء وبالتالي حرمان مواطنيها من مهاراته،  كل ما ذكر هي أمور تستدعي الانتباه.

الى حد ما وعلى نحو مدهش تبدو الشرعية القانونية لمسائلة الأطباء بسبب جرائم التعذيب أقل من محاكمة الأطباء النازيين التي جرت في نورمبرغ وهي المحاكمة الوحيدة التي تم فرضها من الخارج ولم تتكرر لأكثر من جيلين. الى حد ما، فإن العقوبات التي تمت ضد الأطباء المتواطئين في عمليات تعذيب كانت نتيجة جهود منظمات حقوق الإنسان الجديدة التي ركزت على ضرورة وجود محاكمات وطنية لكل موظفي الدولة الذين يرتكبون جرائم حرب، هذه المنظمات أضافت المهن الطبية الى اساس عملها في مهمتها الشاقة من أجل تقويض عهد الرعب الذي يسببه التعذيب.

الدكتور Steven H.Miles في كلية الطب جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية

المراجع:

1. E. Stover and E. Nightingale, The breaking of bodies and minds: Torture, psychiatric abuse, and the health professions (Washington DC: American Association for the Advancement of Science, 1985).

2. British Medical Association, Medicine betrayed: The participation of doctors in human rights abuses: Report of a working party (London: Zed Books, 1992).

3. K. Sikkink, The justice cascade: How human rights prosecutions are changing world politics (The Norton Series in World Politics: March 2012).

4. T. Lucas and C. Pross, “Caught between conscience and complicity: Human rights violations and the health professions,” Medicine & Global Survival 2/2 (1995), pp. 106—114.

5. S. H. Miles, T. Alencar, and B. Crock, “Punishing physicians who torture: A work in progress,” Torture 20 (2010), pp. 23—31.

6. S. H. Miles, “The doctors who torture accountability project.” Available athttp://www.doctorswhotorture.com/ (accessed November 15, 2013).

7. Principles of Medical Ethics relevant to the Role of Health Personnel, particularly Physicians, in the Protection of Prisoners and Detainees against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment, G.A. Res. 37/194 (1982). Available athttp://www.ohchr.org/EN/ProfessionalInterest/Pages/MedicalEthics.aspx.

8. World Medical Association, Guidelines for physicians concerning torture and other cruel, inhuman or degrading treatment or punishment in relation to detention and imprisonment (Declaration of Tokyo) (World Medical Association: 1975).

9. British Medical Association, Recommendations from the medical profession and human rights: Handbook for a changing agenda (London: British Medical Association, 2006).

10. G. R. Mclean and T. Jenkins, “The Steve Biko affair: A case study in medical ethics,”Developing World Bioethics 3/1 (May 2003), pp. 22—95.

11. UN Special Rapporteur on torture and other cruel, inhuman or degrading treatment or punishment, Applying the torture and ill-treatment protection framework in health-care settings, A/HRC/22/53 (February 1, 2013).

12. American University, Washington College of Law with the United Nations Special Rapporteur on torture and other cruel inhuman and degrading treatment or punishment,Anti-Torture Initiative. Available at http://antitorture.org.