كيف سلّحت الولايات المتحدة الأميركية إرهابيين في سوريا
إخفاق آخر في الشرق الاوسط
ترجمة: همام داؤد
By Gareth Porter, June 22, 2017, posted on American Conservative
……………………………………………………………………….
تقترح TulsGabbardعضو الكونغرس الأميركي لثلاث فترات من هاواي، وعضو لجنتي الخدمات المسلحة والشؤون الخارجية، تشريعاً يمكنه حظر أيّة مساعدة أميركية للمنظمات الإرهابية في سوريا، وكذلك أيّ منظمة تعمل معهم بشكل مباشر. وبنفس القدر من الأهمية، يمكن للتشريع حظر المبيعات الأميركية العسكرية وأي شكل من أشكال التعاون العسكري مع البلدان التي تمدّ هؤلاء الإرهابيين والمتعاونين معهم بالسلاح أو تموّلهم.
مرسوم GABBARD “وقف تسليح الارهابيين” يتحدى وللمرة الأولى السياسة الأميركية المتّبعة في الكونغرس تجاه النزاع في الحرب الأهلية السورية، التي دقّت أجراس الخطر منذ وقت طويل. بين عامي 2012 و 2013، ساعدت إدارة الرئيس أوباما حلفائها السنّة، تركيا والسعودية وقطر، في تزويد المجموعات المسلحة السورية وغير السورية بالسلاح، لإجبار الرئيس بشار الأسد على التنحي. وبدأت الإدارة الاميركية في 2013 بتزويد السلاح لمن تعتبرهم وكالة المخابرات المركزية CIA “المعتدلين نسبياً” من المجموعات المناهضة للأسد، بمعنى أنهم صنَّفواعدّة درجات للتطرف الإسلامي.
هذه السياسة، التي تهدف ظاهرياً إلى المساعدة في استبدال نظام الأسد ببدائل أكثر ديمقراطية، ساعدت في الحقيقة على صناعة الصيغة السورية للقاعدة “جبهة النصرة”، بوصفها التهديد الأكثر قوّة للأسد.
يعتقد داعموا سياسة الإمداد بالسلاح، أنها سياسة ضرورية لدفع التأثير الإيراني في سوريا، لكنّ هذا يخالف الحقائق التي أثارها تاريخ هذه السياسة. فقد باعت سياسة إدارة الرئيس أوباما حول سوريا بشكل فعّال المصالح الأميركية، التي من المفترض أن تكون محور The Touchstone “الحرب العالمية على الإرهاب” والقضاء على القاعدة والإرهابيين المنتسبين لها. وقد أخضعت الولايات المتحدة الأميركية بدلاً عن ذلك مصلحتها في مكافحة الارهاب لمصالح حلفائها السنّة بالقيام ما بما من شأنه خلق تهديد إرهابي جديد في قلب الشرق الأوسط.
بدأت سياسة التسليح العسكري للمجموعات الملتزمة بالإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد في أيلول 2011، عندما ضُغِط على الرئيس باراك أوباما من قبل حلفائه السنّة تركيا والسعودية وقطر، لدعم المعارضة المسلحة التي عزموا على تأسيسها للإطاحة بالأسد – بالأسلحة الثقيلة. وتبعاً لمسؤول سابق في إدارة أوباما مختص بقضايا الشرق الأوسط، فإن تركيا والأنظمة الخليجية أرادت من الولايات المتحدة تزويد الثوار بأسلحة مضادة للدبابات والطائرات.
رفض أوباما تزويد المعارضة بالسلاح، لكنه وافق على تزويدها بمساعدات أميركية لوجستية سريّة، عبر تنفيذ حملة مساعدات عسكرية لتسليح المجموعات المعارضة. بدأ تورط وكالة المخابرات المركزية في تسليح القوات المناهضة للأسد مع ترتيب شحنة من الأسلحة من مخازن نظام القذافي، والتي كانت مخزّنة في بنغازي. وقد أورد مراسل التحقيق Sy. Hersh في عام 2014، أن الشركات (التابعة / المسيطر عليها) من وكالة المخابرات الأميركية قد شحنت الأسلحة من ميناء بنغازي العسكري إلى مينائين صغيرين في سوريا بالتعاون مع شخصية عسكرية أميركية سابقة لإدارة الأمور اللوجستية. ويأتي تمويل البرنامج بشكل رئيسي من السعوديين.
يُظهر تقرير وكالة المخابرات الدفاعية في تشرين الأول 2012، أنّ الشحنة التي انطلقت في آواخر آب 2012 احتوت على 500 بندقية قناص، 100 آر بي جي (قاذفة صواريخ) إلى جانب 300 طلقة من طراز (آر بي جي)، و400 مدفع. ويضيف التقرير أن كل شحنة أسلحة تضم ما يصل إلى عشر حاويات للشحن، وأن كل منها يحوي على 48,000 رطل من الحمولة. ما يشير إلى حمولة إجمالية تصل إلى 250 طن من الأسلحة في كل شحنة. حتى لو أن وكالة المخابرات الأميركية نظّمت شحنة واحدة فقط في الشهر، فهذا يعني أن حمولة شحنات الأسلحة ستصل إلى 2,750 طن من الأسلحة اتجهت في نهاية المطاف إلى سوريا بين تشرين الأول 2011 وآب 2012. على الأرجح أنه أضعاف هذا الرقم.
تعرّضت شحنات الأسلحة السرية التابعة لوكالة المخابرات الاميركية من ليبيا لوقف مفاجئ في أيلول 2012 بعدما هاجم وأحرق مسلحون ليبيون ملحق السفارة في بنغازي والتي استخدمت لدعم العملية. ولكن في الوقت ذاته، افتُتِحت قناة أكبر بكثير لتسليح القوات المناهضة للحكومة. جمعت الوكالة السعوديين بشخصية كرواتية رسمية رفيعة المستوى، حيث قام الأخير بعرض بيع كميات كبيرة من الأسلحة المتبقية من حروب البلقان في تسعينيات القرن الماضي، وساعدهم في تسويق الأسلحة تجار الأسلحة والحكومات في العديد من بلدان الإتحاد السوفييتي السابق.
أدّى تدفّق الأسلحة المكتسبة من برنامج وكالة المخابرات الأميركية من ليبيا ومن الكرواتيين والسعوديين والقطريين إلى زيادة عدد الرحلات الجوية بشكل كبير من قبل طائرات النقل العسكرية إلى تركيا في كانون الأول 2012، واستمرت العملية المكثّفة خلال الشهرين ونصف التاليين. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مجموع الرحلات الجوية خلال فترة منتصف آذار 2013 كان 160 رحلة جوية. (Ilyushin IL-76) هو اسم طائرة النقل الأكثر شيوعاً للاستخدام في الخليج، إذ يمكنها أن تحمل تقريباً 50 طن من البضائع على متن الطائرة، ما يشير إلى تزويد 8000 طن من الأسلحة عبر الحدود التركية إلى سوريا في أواخر 2012 وفي 2013.
ويصف أحد المسؤولين الأميركيين المستوى الجديد من الأسلحة المسلّمة للثوار السوريين بـ “شلال كبير من الأسلحة”، ويظهر تحقيق استمر على مدار سنة من قبل (the Balkan Investigative Reporting Network and the Organized Crime and Corruption Reporting Project) أن السعوديين كانت لديهم النية في بناء جيش تقليدي قوي في سوريا. احتوت “شهادة الاستخدام النهائي” للأسلحة المشتراة من شركة بيع الأسلحة في بلغراد وصربيا، على 500 قاذفة صواريخ سوفييتية الصنعPG-7VR والتي يمكنها أن تخترق حتى الدبابات المدرّعة بشكل كبير، إلى جانب 2 مليون طلقة، و50 قاذف صواريخ مضادة للدبابات من نوع Konkurs، و500 صاروخ، و50 بندقية مضادة للطائرات مركّبة على مركبات مصفّحة، و10,000 طلقة مدمّرة لقاذفات الصواريخ من نوع OG-7 قادرة على خرق الدروع الثقيلة، وأربع راجمات صواريخ متعددة موضوعة على المركبات من نوع BM-21 GRAD، كل منها يطلق 40 صاروخ في وقت واحد بمدى يتراوح بين 12 و19 ميل، وإلى جانب 20,000 صاروخ غراد.
وتحوي وثيقة المستخدم الأخير لطلب سعودي آخر من الشركة الصربية ذاتها، 300 دبابة، و2,000 قاذفة آر بي جي، و16,500 قاذفة صواريخ أخرى، ومليون طلقة للبنادق المضادة للطائرات من نوع ZU-23-2 و315 مليون عيار لمختلف أنواع البنادق.
لم تكن عمليتا الشراء إلا جزءاً بسيطاً من مجموع الأسلحة التي حصل عليها السعوديين من ثمانية دول من خليج البلقان على مدار السنين التي تلت. وجد محققون أن السعوديين قاموا بأكبر اتفاق للأسلحة مع دول الاتحاد السوفييتي السابق في 2015، واشتملت الأسلحة على ما تم صناعته للتو على خطوط إنتاج المصنع. 40 بالمئة تقريباً من الأسلحة التي اشتراها السعوديين من هذه الدول لم يتم تسليمها حتى أوائل 2017. لذلك تعاقد السعوديين للحصول على أسلحة كافية للحفاظ على حرب تقليدية واسعة النطاق في سوريا بحيث تبقى مشتعلة لعدة سنوات أخرى.
ومع ذلك فإن معظم مشتريات الأسلحة السعودية الأكثر تأثيراً لم تكن من البلقان، بل كانت من الولايات المتحدة. في كانون الثاني 2013 باعت الولايات المتحدة للسعودية 15,000 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز تاو TOW بتكلفة تُقَدّر بمليار دولار، كنتيجة لقرار سابق لأوباما في عكس الحظر على المساعدات الفتاكة للمجموعات المسلّحة المناهضة للأسد. علاوة على ذلك، وافق السعوديين على أن الصواريخ المضادة للدبابات ستُوَزّع على المجموعات السورية فقط بناءً على تقديرالولايات المتحدة الأميركية. بدأت صواريخ التاو بالوصول إلى سوريا في 2014 ، وسرعان ما سبب ذلك أثراً رئيسياً على التوازن العسكري.
فيضان الأسلحة في سوريا، وإلى جانب دخول 20,000 مقاتل أجنبي – بشكل رئيسي عبر تركيا – حدّد طبيعة النزاع. ساعدت المعدات العسكرية في صناعة فرع القاعدة في سوريا “جبهة النصرة” (تُسمى الآن بـ “هيئة تحرير الشام”)، وحلفائها القريبين منها إلى حدٍّ كبير، – القوات المناهضة للأسد الأكثر قوة – وتسبّبت في ظهور الدولة الإسلامية بعد الإنشقاق بين فرعي القاعدة.
أصبح من الواضح لمسؤولي الولايات المتحدة الأميركية في أواخر 2012، أنّ القسم الأكبر من الأسلحة التي بدأت تتدفق إلى داخل سوريا في وقت مبكر من العام ذاته، كانت تتجه لمساعدة أو لتحقيق النمو السريع للقاعدة في البلاد. وللمرة الأولى، يكشف مسؤولي الولايات المتحدة في تشرين الأول 2012 لجريدة “النيويورك تايمز” أنَّ غالبية الأسلحة التي تم شحنها للمجموعات المعارضة المسلحة في سوريا ضمن المساعدات الأميركية اللوجستية خلال السنة السابقة، قد ذهبت إلى “جهاديين إسلاميين متعصبين”، ما يعني بشكل واضح فرع القاعدة في سوريا: النصرة.
أصبحت جبهة النصرة وحلفائها المستفيد الرئيس من الأسلحة، بسبب كون السعوديين والأتراك والقطريين أرادوا للأسلحة أن تذهب إلى الوحدات العسكرية الأكثر نجاحاً في الهجوم على أهداف حكومية، وبحلول صيف 2012، كانت جبهة النصرة، التي دُعِمَت من قبل آلاف الجهاديين الأجانب المتدفقين إلى البلاد عبر الحدود التركية، تتصدر الهجمات على الحكومة السورية بالتعاون مع كتائب “الجيش السوري الحر”.
ابتدأت جبهة النصرة في تشرين الثاني وكانون الأول 2012 بتأسيس “غرف عمليات مشتركة” رسمية مع من يطلقون على أنفسهم اسم “الجيش السوري الحر”، على عدة جبهات قتالية، كما يذكر Charles Lister في كتابه “الجهاد السوري”. أحد القادة المفضلين عند واشنطن كان العقيد عبد الجبار العكيدي، وهو ضابط حربي سوري سابق كان يرأس ما يُسمى المجلس العسكري الثوري في حلب وكان السفير روبرت فورد، الذي استمر في شغل منصبه حتى بعد أن خرج من سوريا، قد زار العقيد العكيدي في آذار 2013 ليعبّر له عن دعم الولايات المتحدة الأميركية للأخير وللجيش السوري الحر.
لكن العكيدي وقواته كانوا شركاء صغار في تحالف في مدينة حلب، حيث كانت النصرة إلى حد بعيد أقوى عناصر هذا التحالف، وانعكست هذه الحقيقة بشكلٍ واضحٍ في فيديو يُظهر العكيدي وهو يصف العلاقات الجيدة مع مسؤولي “الدولة الإسلامية”، ويُظهر انضمامه للقائد الجهادي الرئيسي في منطقة حلب في الاحتفال بالسيطرة على مطار الحكومة السورية “منغ” العسكري في أيلول 2013.
تبيّن في الواقع تبعاً لمتخصص بارز في مراقبة النزاع، في أوائل 2013، أن “الجيش السوري الحر”، الذي في الحقيقة لم يكن أبداً منظمة عسكرية مع أي قوات، توقف عن امتلاكه تأثيراً حقيقياً في النزاع السوري، وتوقفت المجموعات الجديدة المسلحة المناهضة للأسد عن استخدام الإسم حتى “كعلامة تجارية” للتعريف عن نفسها.
لذلك، عندما وصلت الأسلحة من تركيا إلى مختلف جبهات القتال، كان مفهوماً من قبل كل المجموعات غير الجهادية أنّ الأسلحة ستكون مُشاركةً مع جبهة النصرة وأقرب حلفائها، وأظهر تقرير تم إعداده من قبل McClatchy في أوائل 2013 عن إحدى البلدات في شمال وسط سوريا، كيف أن الترتيبات العسكرية بين النصرة والكتائب التي تُطلق على نفسها اسم “الجيش السوري الحر” تحكمت بتوزيع الأسلحة. شاركت واحدة من الوحدات قبل بضعة أسابيع، وتُدعى “لواء النصر”، في “غرفة عمليات مشتركة” مع أكثر الحلفاء العسكريين أهمية مع القاعدة وهم “أحرار الشام”، للقيام بهجوم ناجح على بلدة استراتيجية. وشاهد مراسلٌ اللواء وأحرار الشام وهم يُظهرون أسلحة متطورة جديدة تضم قذائف صاروخية مضادة للدبابات روسية الصنع من نوع RPG27 وقاذفات قنابل من نوع RG6.
رداً على سؤال حول ما إذا كان لواء النصر يشارك أسلحته الجديدة مع “أحرار الشام”، يُجيب الناطق باسم الأخير “بالطبع يشاركوننا أسلحتهم، نحن نقاتل معاً”.
إختارت تركيا وقطر بوعي القاعدة وحليفتها الأقرب “أحرار الشام” ليكونا المستفيدين من نظام الأسلحة، وتم اعتراض العديد من شاحنات الأسلحة في أواخر 2013 وأوائل 2014 من قبل الشرطة التركية في مقاطعة Hatay، جنوب الحدود التركية، والتي كان على متنها شخصيات من المخابرات التركية بناءً على شهادة محكمة الشرطة التركية. المقاطعة مُسيطر عليها من قبل أحرار الشام، وفي الحقيقة بدأت تركيا تُعامل أحرار الشام كعميل رئيسي في سوريا، وفقاً لفيصل عيتاني، زميل رفيع المستوى في مركز المجلس الأطلسي، مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط.
كان جهاز المخابرات القطري، الذي تورط في شحن الأسلحة للمجموعات المتطرفة في ليبيا، العنصر الأساسي في توجيه تدفق الأسلحة من تركيا إلى سوريا. وأخبر مصدر استخباراتي عربي الكاتب في جريدة واشنطن بوست David Ignatius، وهو مصدر مطّلع على الحوارات حول الداعمين الخارجيين قرب الحدود السورية في تركيا خلال هذه السنوات، أنّه عندما حذّر أحد المشاركين من أنّ القوى الخارجية عملت على بناء الجهاديين، في الوقت الذي تضعف فيه المجموعات غير الجهادية، أجاب القطري “سأرسل الأسلحة للقاعدة لو أن ذلك يساعد”.
تبعاً لمصدر دبلوماسي في الشرق الأوسط، فإن القطريين سلّموا الأسلحة لجبهة النصرة وأحرار الشام. اقترح موظف مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما في 2013، أن تشير الولايات المتحدة إلى استيائها من قطر حول دعمها للمتطرفين في كلٍّ من سوريا وليبيا عن طريق سحب سرب من الطائرات المقاتلة من القاعدة الأميركية في قطر، قاعدة العيديد. واعترض البنتاغون على هذا النوع غير القوي من الضغط، من أجل حماية ممراته إلى قاعدته في قطر.
وكان الرئيس أوباما بنفسه قد واجه رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان بدعم حكومته للجهاديين خلال عشاء خاص في البيت الأبيض في آذار 2013، كما وصفه الصحفي الأميركي والكاتب السياسي Hersh. ونقلاً عن كلام أوباما لأردوغان “نحن نعلم بما تفعلون مع المتطرفين في سوريا”.
وتحدثت الإدارة عن تعاون تركيا مع النصرة بشكل علني، ولكن في فترة أواخر 2014 فقط. وبعد فترة قصيرة من مغادرة أنقرة، يُخبر السفير الأميركي في تركيا منذ (2011 حتى منتصف 2014)، جريدة دايلي تيليغراف اللندنية أن تركيا “عملت مع مجموعات، بشكل صريح ولفترة، ومن بينها النصرة”.
أقرب توبيخ علني من قبل واشنطن لحلفائها حول موضوع تسليح الإرهابيين في سوريا جاء عندما انتقد نائب الرئيس Joe Biden دورهم في تشرين الأول 2014. وفي تعليق مرتجل بمدرسة Kennedy بجامعة هارفرد، يشتكي Biden أنّ “مشكلتنا الأكبر هي حلفائنا”، ويقول أن القوات التي كنّا قد زوّدناها بالأسلحة، هم النصرة والقاعدة والعناصر المتطرفة من الجهاديين القادمة من أجزاء أخرى من العالم.
اعتذر Biden بسرعة على تعليقاته، موضحاً أنه لم يقصد أنّ حلفاء الولايات المتحدة ساعدوا الجهاديين عن عمد. لكن السفير Ford يُؤكد اتهامه، بقوله للـ BBC، “ما قاله Biden حول جعل مشكلة التطرف أسوأ من قبل الحلفاء صحيح”.
وافق أوباما في حزيران 2013 على أول مساعدة أميركية عسكرية فتاكة مباشرة لكتائب الثوار الذين تم فحصهم من قبل وكالة المخابرات المركزية. بحلول ربيع 2014، بدأ ظهور قذائف مضادة للدبابات أميركية الصنع ومن نوع BGM-71E من الـ 15,000 التي تم إرسالها للسعوديين في أيدي المجموعات المُختارة المناهضة للأسد. لكن وكالة المخابرات المركزية فرضت شرطاً أن لا تتعاون المجموعة التي تستلمها مع جبهة النصرة وحلفائها. هذا الشرط يعني أن واشنطن كانت تزوّد المجموعات العسكرية التي كانت قوية كفاية لتحافظ على استقلالها عن جبهة النصرة. لكن المجموعات الموجودة على لائحة وكالة المخابرات المركزية للمفحوصين، المجموعات المسلحة “المعتدلة نسبياً”، كانت معرضة بشدة للسيطرة عليها من قبل فرع القاعدة. في تشرين الثاني 2014، قامت قوات جبهة النصرة بضرب اثنتين من أقوى المجموعات المسلحة المدعومة من وكالة المخابرات المركزية، حركة حزم وجبهة ثوار سورية، لأيام متتالية، وبمصادرة أسلحتهم الثقيلة، التي تضمّنت صواريخ GRAD وصواريخ مضادة للدبابات من نوع TOW.
في أوائل آذار 2015، قام فرع حركة حزم في حلب بحلِّ نفسه، وعرضت جبهة النصرة على الفور صوراً للصواريخ من نوع TOW وللمعدات الأخرى التي استولت عليها. وفي آذار 2016، هاجمت قوات جبهة النصرة مقر الفرقة 13 في المقاطعة الشمالية الغربية من إدلب وصادرت صواريخها من نوع TOW كلّها. وفي وقت لاحق من ذات الشهر، أطلقت جبهة النصرة شريط فيديو لقواتها وهي تستخدم الصواريخ من نوع TOW التي قامت بالاستيلاء عليها.
لكنها لم تكن الطريقة الوحيدة أمام جبهة النصرة للاستفادة من ضخامة وكالة المخابرات المركزية. فإلى جانب حليفتها القريبة “أحرار الشام”، بدأت المنظمة الإرهابية بالتخطيط لحملة من أجل فرض السيطرة الكاملة على مدينة إدلب في شتاء 2014 / 2015. للتخلي عن مظاهر التقرب من القاعدة، عملت تركيا والسعودية وقطر مع النصرة على تأسيس تشكيل عسكري جديد من أجل إدلب يُدعى “جيش الفتح”، ويتألف من فرع القاعدة وأقرب حلفائها، ودعمت السعودية وقطر بأسلحة أكثر من أجل هذه الحملة، بينما سهّلت تركيا عبورهم. في 28 آذار، قبل أربعة أيام من الإعلان عن الحملة، استطاع جيش الفتح السيطرة بنجاح على مدينة إدلب.
المجموعات غير الجهادية المسلحة الحاصلة على أسلحة مُتقدمة من مساعدات وكالة المخابرات المركزية لم تكن جزءاً من الهجوم الحاصل في مدينة إدلب. بعد السيطرة على إدلب، أشارت القيادة الأميركية لغرفة العمليات من أجل سوريا، المتواجدة في جنوب تركيا، للمجموعات المدعومة من قبل الوكالة في إدلب أنه يمكنهم أن يشاركوا في الحملة لتعزيز السيطرة على باقي المنطقة.
وفقاً لـLister ، الباحث بريطاني حول الجهاديين في سوريا والذي حافظ على الإتصالات مع جهاديين ومجموعات مسلّحة أخرى، فإن متلقيّ أسلحة وكالة المخابرات المركزية، مثل لواء فرسان الحق والفرقة 13، انضموا لحملة إدلب إلى جانب جبهة النصرة من دون أيّ تحرك من قبل الوكالة لإيقاف الدعم عنهم.
ومع بدء الهجوم على إدلب، كانت المجموعات المدعومة من وكالة المخابرات المركزية تتلقى بأرقام هائلة صواريخ من نوع TOW، والآن هم يستخدمونها بفعالية أكبر ضد دبابات الجيش السوري. هذه كانت البداية لمرحلة جديدة من الحرب، والتي قامت سياسة الولايات المتحدة الأميركية فيها على دعم التحالف بين مجموعات “معتدلة نسبياً” وبين جبهة النصرة.
تم نقل التحالف الجديد إلى حلب، حيث شكّلت المجموعات الجهادية القريبة من جبهة النصرة قيادة جديدة تُدعى “فتح حلب” مع 9 مجموعات مسلّحة في منطقة حلب، إذ كانت هذه المجموعات تتلقى مساعدة من وكالة المخابرات المركزية. يُمكن للمجموعات التي تدعمها الوكالة أن تدّعي أنّها لم تتعاون مع جبهة النصرة، لأن فرع القاعدة لم يُوضع بشكل رسمي على لائحة المشاركين في القيادة، ولكن كما هو واضح في التقرير الذي يتكلم عن القيادة الجديدة، كان هذا مجرّد وسيلة للسماح للوكالة بمواصلة التزويد بالسلاح لعملائها، بالرغم من تحالفهم الواقع مع القاعدة.
المغزى من هذا كلّه واضح: بمساعدة الحلفاء السنّة في تزويد جبهة النصرة وحلفائها، وبإدخال الأسلحة المتطوّرة في منطقة الحرب، الأسلحة التي كان من المقرر لها، أن تقع في أيدي النصرة أو لتقوية موقعها العسكري العام، فإن سياسة الولايات المتحدة الأميركية كانت مسؤولة بشكل كبير على توسيع قوّة القاعدة حول جزء مهم من الأراضي السورية. يبدو أنّ وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون مستعدون للتسامح مع مثل هذا النوع من الخيانة لمهمة أميركا المُعلنة حول مكافحة الإرهاب. ما لم يواجه الكونغرس أو البيت الأبيض هذه الخيانة، حيث أن تشريع TulsiGabbard سيجبرهم على القيام بذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة الأميركية ستواصل كونها متورطة في تدعيم قوّة القاعدة في سوريا، حتى لو هُزِمت الدولة الإسلامية هناك.
غاريث بورتر:
Gareth Porter: صحفي مستقل وفائز بجائزة Gellhon لعام 2012 للصحافة. مؤلف للعديد من الكتب، من بينها “الأزمة المُصطنعة: القصة غير المحكية عن الذعر النووي لايران” (Just World Books, 2014).
http://samadamsaward.ch/2017/06/america-armed-terrorists-syria-another-middle-east-debacle/