الأوليغارشية والقوة العالمية في مجلس الأمن في الثعالب والدجاج للمفكر الأمريكي جيمس أ. بول
قراءة للدكتور هيثم مناع
ما زالت صورة كولن باول يتحدث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق في 2003 تقبّح وجه الإدارة الأمريكية، وحتى لا يحتكر الإدارة “الجمهورية” المشهد، نرى اليوم صورة بلينكن وبايدن (الديمقراطيان!!) يتحدثان عن رؤوس أربعين طفلا مقطوعة، في فوتوشوب تمت فبركته بإتقان من منظمة “زاكا” وشركائها، لتبقى هذه الصورة تقبح وجه الإدارة الأمريكية بعد عشرين عاما.
من وجهة نظري الشخصية، ومن وجهة نظر التحليل النفسي أيضا، ليست هذه الصور المفبركة هي التي حددت موقف الإدارة الأمريكية من الحرب على غزة، ولا أظن هذا الفيلم يرتقي حتى إلى مستوى دغدغة مشاعر مسؤولين لا مشاعر عندهم أساسا، في بلد اعتبرت إداراته المتعاقبة منذ بداية القرن، أن الحرب جزء أساسي من استراتيجية البقاء على رأس نظام عالمي سقطت أسنانه وشاب شعره وفقد أهم أركان المناعة الذاتية، التي نصبته سيدا للعالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي ومنظومة حلف وارسو.
ما زالت الإدارات الأمريكية المتتابعة ترى في “إسرائيل”، ولو كان على رأسها نتنياهو وبن غفير، آخر القواعد الاستيطانية الاستعمارية في شرقي المتوسط، وكما قال أكثر من مسؤول صهيوني أمريكي: “عندما تخلينا عن نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا تحّول هذا البلد إلى قيادة مواجهة نفوذنا في القارة الإفريقية كلها”… قالها صهيوني فرنسي أيضا بطريقة أخرى ووقاحة مشابهة: “ما تسمونه نزع الاستعمار أعاد الأقدام السوداء لفرنسا ومعهم ملايين من المهاجرين المغاربة وجعلنا نستجدي السعودية وقطر بل حتى أذربيجان النفط والغاز، فرنسا حتى عام 1960 كانت دولة منتجة للنفط”…
إنه الحنين المفتقد لإدارة التوحش الذي يغذي التيارات الشعبوية على اختلافها، ويضع الناخب الأمريكي بعد أقل من عام من جديد، أمام الاختيار بين الكوليرا والطاعون، أي الغياب الكامل للأفق..
أرسلنا الطبعة العربية الأولى لكتاب المفكر والحقوقي الأمريكي جيمس بول إلى المطبعة قبل ثلاثة أيام من المشهد الدرامي لجلسة مجلس الأمن في الثامن من كانون أول / ديسمبر 2023، وتابعت مباشرة نقاشات المجلس الذي التئم لقيام السيد الأمين العام غوتيرس، لأول مرة منذ توليه منصبه، بمواجهة مفتوحة مع السياسة الأمريكية، باستعمال مادة تسمح له بتقدير خطورة المذابح اليومية بحق الفلسطينيين باعتبارها تشكل خطورة على السلم والأمن العالميين.
لم تستطع الثلاثية المعروفة باسم P3 (أي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا) أن تبقى على تماسكها، فرنسا أيدت القرار، بريطانيا امتنعت عن التصويت، أما نائب المندوبة الأمريكية فرفع سلاح الفيتو في وجه شبه إجماع عالمي. بعد هذا القرار، ووصول مئتي طائرة دعم بالمؤن العسكرية وأسطول مقابل شاطئ غزة ومليارات الدولارات العاجلة وخبراء يشاركون غرفة الحرب الإسرائيلية القرار، هل من المجحف أو التجني الحديث عن “الحرب الإسرائيلية ـ الأمريكية على قطاع غزة”؟
كان جيمس يول قد رأى ذلك منذ الحرب اليوغسلافية، ثم في 2003 حين حرر كتابا تُرجم إلى عدة لغات بما فيها العربية: “الحرب والاحتلال في العراق”، ورصده عبر أهم كتاب نقدي لمجلس الأمن في كتاب: “في الثعالب والدجاج: الأوليغارشية والقوة العالمية في مجلس الأمن” الذي صدر في 2017.
تأخرت الترجمة العربية للكتاب بسبب جائحة كورونا وآثارها. ثم ذكّرتنا الحرب في أوكرانيا بأهمية الكتاب التي لا تتناقص، كدراسة للصراع العالمي من أجل الهيمنة والثمن الباهظ الذي يدفعه المعذبون في الأرض.
حددنا تاريخ إصدار هذه الطبعة في 12 أكتوبر 2023. وبعد السابع من أكتوبر، قررنا تأجيل الطباعة من جديد. حيث كثفت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة من جديد، بتفاصيل غنية، الضعف البنيوي لمجلس الأمن وكشفت حجم الافتراءات التي تحمي سمعته عادة. وكما كانت الحال في حرب العراق والعديد من الصراعات الأخرى، كان المجلس مجرد دراما مسرحية تافهة، أمام جريمة إبادة جماعية موصوفة الأركان، سجيناً من قِبَل أقوى أعضائه، عاجزا عن إدانة همجية نظام الأبارتايد الإسرائيلي، أو تأمين الحد الأدنى مما يسميه ميثاق الأمم المتحدة “صون السلام والأمن الدوليين”.
لقد خص الصديق الكبير الطبعة العربية بمقدمة جديدة “ما وراء الثعالب والدجاج” مطولة ومزيدة كتبها خصيصا لقراء العربية وستكون قريبا مقدمة للطبعة الإيطالية للكتاب الذي صدر بالإنجليزية والألمانية.
عند صدور كتاب جيمس أ. بول “في الثعالب والدجاج: الأوليغارشية والقوة العالمية في مجلس الأمن”، طلبتُ منه المشاركة في ندوة نظمها المعهد وحضر إلى جنيف للحديث عنه.
قلت في الندوة يومها، “مجلس الأمن يحمل صفات السلطة التوتاليتارية (الشمولية) بكل تفاصيل تعريف الفيلسوفة حنه أرندت للكلمة”. فاعترض سفير دولة دائمة العضوية على ما قلت، فاستشهدت بجملة من الكتاب يقول فيها جيمس بول: “يُنتج المجلس القانون الدولي، ويطبقه، ويحكم على من يتهمه بخرق القانون الدولي. إنه هيئة تشريعية وتنفيذية وقضائية معاً ـ مزيج خطير.”، فتدخل بالقول: “وهل تريده أن يتقاسم حل مشكلات مصيرية مع ممثلي دول صغيرة غير قادرة على دفع أجرة مقر بعثتها في نيويورك”! فقلت له: لا تحتاج إجابتك إلى أي تعليق”.
ا.كنت شخصيا مع جيمس بول في العقد الأخير من القرن الماضي في صلب تحرك مدني دولي لإصلاح الأمم المتحدة. وأذكر أنه في مناسبة الذكرى الخمسين لولادة الأمم المتحدة، كنت يومئذ نائبا لرئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وكان جيمس بول مديرا لأول مكتب للفدرالية وراء الأطلسي، طلبتُ أن يتضمن بيان الفدرالية حديثا واضحا حول العطب وهيمنة مجلس الأمن وضرورة الإصلاح بداية من إلغاء ما يسمى بحق النقض “الفيتو”.
وقف المدير التنفيذي، وهو غير منتخب، وليس له حق التصويت، بشدة ضد اقتراحي، في حين انضم لي غير الفرنسيين في القيادة. فنظر المدير التنفيذي إلى رئيس الفدرالية “الفرنسي” وقال له: سيخلق لنا هذه الموضوع مشكلة كبيرة، لا تسألني بعدها لماذا أوقف الاتحاد الأوربي مساعداته لنا؟ كان الموقف الفرنسي والبريطاني الرسمي ضد أي إصلاح يمس مجلس الأمن. ففرنسا وبريطانيا مجتمعتين لا تمثلان أكثر من 2% من سكان كوكبنا، ولهما 40% من القرار في مجلس الأمن.
نظر إليّ رئيس الفدرالية قائلا: يمكنك أن تكتب ما تشاء حول إصلاح مجلس الأمن والأمم المتحدة لكن باسمك الشخصي. فضحكت وبقيت في الاجتماع صامتا دون أية مشاركة حتى في الفقرات الأخرى للبيان.
جاءت “الحرب على الإرهاب” لتطعن الحركة الحقوقية العالمية خنجرا في الصدر، توقف الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة، وألغيت عمليا عُشرية المنظمة الدولية “لإعلاء ثقافة اللا عنف والسلام لصالح أطفال العالم (2001-2011)”، وتوقفت الجهود الغنية لتطوير مفهوم “الأمن الإنساني”، وجرت عولمة حالة الطوارئ في “انتصار” للحرب والأمن القومي على الحقوق والعدالة والسلام، انتصار أشد من الهزائم عارا.
كان الحصار على الحركة كبيرا ووسائل الضغط والإكراه ثقيلة، إلا أنه لم يتمكن من “ديناصورات” المقاومة المدنية على الصعيد العالمي، ومن هؤلاء وفي مقدمتهم الأمريكي جيمس أ. بول الذي حرص على إتمام ما بدأ، من تفكيك لسلطات مجلس الأمن التعسفية، ودكتاتوريته المعلنة على رؤوس الأشهاد، أو كما كان يقول الفقيد، سيرجيو ديميلو، الدكتاتورية الوحيدة التي تدافع عنها الديمقراطيات الغربية باعتبارهم لها “دكتاتورية الضرورة”.
على منهج “ما قلّ ودل” وفي قرابة المئة وستين صفحة، يستعرض جيمس أكثر من 75 عاما من تاريخ مجلس الأمن. ومن أقدر منه على ذلك، وقد استقر أكثر من عشر سنوات في شقة مقابلة لمقر الأمم المتحدة، باحثا ومناضلا وصوتا لأكثر من 32 منظمة دولية (منها اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان/مؤسسة هيثم مناع)، في أهم المعارك الحقوقية في الثلاثين عاما الأخيرة. ورغم الحصار الإعلامي الغربي، تُرجمت أهم تقاريره وكتبه للغات عديدة. تحدث عن “سوريا بدون قناع”، عن النتائج الكارثية للعقوبات، عن “الحرب والاحتلال في العراق”، وحرصنا على نقل أعماله إلى العربية.
خص جيمس أ. بول الطبعة العربية بثلاثين صفحة جديدة، حاول فيها من جهة تكثيف أهم استنتاجات عمله الصادر في 2017 ومن جهة ثانية الحديث عما جرى خلال السنوات الست التي تبعت صدور الطبعة الأولى وصولا إلى ما يسميه مجلس الأمن والمجزرة الجماعية في غزة فلسطين. ورغم الظروف الشخصية الصعبة التي يمر بها لمرض زوجته ورفيقتنا سوزان ونقلها للمشفى، فقد تابع الكتابة لإنجاز ما وعدنا به. وها نحن نصدر الطبعة الثانية مع كامل تقديمه الجديد.
في هذا الكتاب، يكشف جيمس بول خفايا الغرفة السوداء لمجلس الأمن، بمعلومات موثقة يصعب الرد عليها من محامي المجلس. يعدد بشكل موثق إخفاقاته الكبيرة وأثرها على السلم والأمن الدوليين. ويبرز في الوقت نفسه، أهمية وجود هيئة دولية تعاونية لبناء العدالة والسلام والأمن على الصعيد العالمي.
يذكر جيمس القارئ بأن “معظم التعليقات والدراسات حول المجلس، لا تولي سوى قليل الاهتمام للمؤسسة نفسها وأعمالها الداخلية السرية. لفهم المجلس، من الضروري اختراق غابة من الأساطير والأعذار وفحص شبكة الأيديولوجيا والخوف والطموح التي تحفز الأعضاء. داخل النطاق الأوسع للأمم المتحدة، يشكو الدبلوماسيون من أن هذه المؤسسة العامة جداً مخبأة بخداع خلف الأبواب المغلقة”. مضيفا: تطرح في هذه الاجتماعات أمور كبرى على المحك. قد يتجاهل المبعوثون اللطافة عند خوض غمار نقاشات حارة ومناظرات مثيرة للجدل. يمكن أن يشنوا عمليات عسكرية للأمم المتحدة، وأن يفرضوا عقوبات تأديبية أو أن يتخذوا خطوات أخرى يمكن أن تؤثر على حياة العديد من الأشخاص فيما يكثف مشهد الصراع في العالم. وسائل الإعلام تتحدث بشغف عن مثل هذه الأحداث الدراماتيكية. مع ذلك، وعلى الرغم من جميع القصص حول حدود المواعيد والألعاب النارية العامة، لا يزال المجلس هيئة غامضة، مختبئة في معظم الأحيان خلف محيط أمني صارم، وغالباً ما تجتمع على انفراد في “مشاورات الجماعة”.
في تكثيف لمسيرة المجلس، وبعد تقسيمها إلى مرحلتين يقول: “على مر السنين، مر المجلس بمراحل مختلفة. خلال السنوات الخمس والأربعين الأولى، أدت نزاعات الحرب الباردة إلى تقليص دور المجلس بشكل كبير. بينما كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في صراع من أجل الهيمنة العالمية، سعت كل من بريطانيا وفرنسا لحماية ما تبقى من سلطات الحقبة الاستعمارية المتهشمة. نشأت العديد من النزاعات في جميع أنحاء العالم، ولكن القليل منها وُضِعَ على جدول أعمال المجلس. لم يكن المجلس “مشلولاً” خلال هذا الوقت، كما يقول البعض، لكنه بالتأكيد كان يعمل بطريقة إعوجاجية، بسبب المصارعة المستمرة، واستخدام حق النقض (الفيتو)، والصراعات السرية”. أما “في حقبة ما بعد الحرب الباردة، التي بدأت حوالي عام 1990، تمتع المجلس بنشاط غير مسبوق. من عام 1989 إلى عام 1993، قفز العدد السنوي لاجتماعات المجلس الرسمية من 60 إلى 171، في حين ارتفع عدد المشاورات من 20 إلى 253 [1]. وعالج المجلس العديد من الأزمات الأخرى وأصدر عقوبات، وأرسل فرق حفظ السلام، ومبادرات أخرى. في الوقت نفسه، أصرّت الحكومات مع الخبراء والمنظمات غير الحكومية على أن يبرر المجلس سلطاته الأوسع بتبني المزيد من الانفتاح والديمقراطية وبأن يكون أكثر شفافية وإبداعا. في عام 1993، بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة عملية رسمية للتحقيق في ضرورة إصلاح المجلس. وضمن مراتبية المجلس نفسه، ضغطت بعض الدول بشدة من أجل الإصلاح والتجديد. اليوم، عادت الانقسامات الموسومة بالحقد بالنمو داخل المجلس مرة أخرى، مما يثير التساؤلات حول المؤسسة ومستقبلها.”
معظم التعليقات والدراسات حول المجلس، لا تولي سوى قليل الاهتمام للمؤسسة نفسها وأعمالها الداخلية السرية. لفهم المجلس، “من الضروري اختراق غابة من الأساطير والأعذار وفحص شبكة الأيديولوجيا والخوف والطموح التي تحفز الأعضاء. داخل النطاق الأوسع للأمم المتحدة، يشكو الدبلوماسيون من أن هذه المؤسسة العامة جداً مخبأة بخداع خلف الأبواب المغلقة.
على مر السنين، مر المجلس بمراحل مختلفة. خلال السنوات الخمس والأربعين الأولى، أدت نزاعات الحرب الباردة إلى تقليص دور المجلس بشكل كبير. بينما كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في صراع من أجل الهيمنة العالمية، سعت كل من بريطانيا وفرنسا لحماية ما تبقى من سلطات الحقبة الاستعمارية المتهشمة. نشأت العديد من النزاعات في جميع أنحاء العالم، ولكن القليل منها وُضِعَ على جدول أعمال المجلس. لم يكن المجلس “مشلولاً” خلال هذا الوقت، كما يقول البعض، لكنه بالتأكيد كان يعمل بطريقة إعوجاجية، بسبب المصارعة المستمرة، واستخدام حق النقض (الفيتو)، والصراعات السرية.
في حقبة ما بعد الحرب الباردة، التي بدأت حوالي عام 1990، تمتع المجلس بنشاط غير مسبوق. من عام 1989 إلى عام 1993، قفز العدد السنوي لاجتماعات المجلس الرسمية من 60 إلى 171، في حين ارتفع عدد المشاورات من 20 إلى 253. وعالج المجلس العديد من الأزمات الأخرى وأصدر عقوبات، وأرسل فرق حفظ السلام، ومبادرات أخرى. في الوقت نفسه، أصرّت الحكومات مع الخبراء والمنظمات غير الحكومية على أن يبرر المجلس سلطاته الأوسع بتبني المزيد من الانفتاح والديمقراطية وبأن يكون أكثر شفافية وإبداعا. في عام 1993، بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة عملية رسمية للتحقيق في ضرورة إصلاح المجلس. وضمن مراتبية المجلس نفسه، ضغطت بعض الدول بشدة من أجل الإصلاح والتجديد. اليوم، عادت الانقسامات الموسومة بالحقد بالنمو داخل المجلس مرة أخرى، مما يثير التساؤلات حول المؤسسة ومستقبلها.
وفي حديث موجع عن “الوقائع الأفغانية” يذّكر جيمس كيف أن واشنطن ” لم تسمح لمجلس الأمن إلا بدور ثانوي في معالجة السلام في أفغانستان ولم تمنحه أي حق في العملية العسكرية. وصوت المجلس لصالح إنشاء “لجنة مكافحة الإرهاب” برئاسة الناشط الدائم النشاط جيريمي جرينستوك، المروج لـ “التدخل الإنساني”. وطالب القرار كل حكومة بإنشاء مؤسسات لمكافحة الإرهاب وتقديم تقارير عن مكافحة الإرهاب. وتحت راية مجلس الأمن بدأت “الحرب العالمية على الإرهاب”.“
يستعرض المؤلف المسيرة المخزية لمجلس الأمن في أفغانستان وينهي التحليل بالقول بمرارة: في عام 2022 قررت واشنطن الاستسلام. استمر الصراع لمدة عشرين عامًا لكن الدمار والفوضى بقيا. وينشر اللاجئون اليائسون والمقاتلون الغاضبون آثار الصراع على نطاق واسع. وفي أوروبا، أدت المشاعر المعادية للمهاجرين الأفغان إلى تعزيز اليمين السياسي المتطرف. لقد عانى الأفغان في كل مكان معاناة رهيبة”.
طيلة تناوله التحليلي النقدي الموثق، يبرز جيمس بول “فشل المجلس في تلبية احتياجات الحقبة التي نعيشها. فهو لم يوقف العنف المتفشي، والحروب السرية وغير السرية، والموجات غير المسبوقة من اللاجئين، والمواجهات العسكرية الخطيرة، والتهديدات النووية، وأنواع أخرى من زعزعة الاستقرار والفوضى. لقد تجاهل المجلس عمداً العديد من الصراعات وزاد من حدة صراعات أخرى. ولطالما غض الطرف عن صندوق كشمير القابل للاشتعال، حيث يتواجه خصمان نوويان تفصلهما منطقة وقف إطلاق نار متوترة في جبال الهيمالايا. لقد فشل فشلاً ذريعاً في حل الأزمة الإسرائيلية -الفلسطينية وحروب الشرق الأوسط الأوسع. في رواندا، والصومال، وهايتي، والكونغو، وغيرها من المناطق الساخنة، فشل المجلس بشكل مأساوي. إن افتقار المجلس إلى اتخاذ إجراء بشأن نزع السلاح أمر سيء السمعة. يخبرنا النقاد عن العديد من الزلات والآثام الأخرى.”.
ويخصص لحرب غزة مقطعا هاما يتحدث فيه عن سطوة سلطة النقض (الفيتو) واعتبار الولايات المتحدة لما يخص فلسطين شأنا خاصا بها عبر حمايتها لآخر نظام أبارتايد على سطح البسيطة: ” قليلة هي الأزمات التي نالت أهمية أكثر في مسؤولية مجلس الأمن من الصراع في فلسطين، ومع ذلك فقد تفاقم الوضع هناك بشكل مطرد منذ الأيام الأولى للأمم المتحدة. لقد شاركتُ في عشرات الاجتماعات لمجموعة عمل المنظمات غير الحكومية في مجلس الأمن، حيث أثار ممثلو المنظمات غير الحكومية أحدث الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. وطالما طلبنا من السفراء التعليق على ما سيفعله المجلس، وما هو الإجراء الذي سيتخذه. ومن الردود فهمنا أن واشنطن تبقي هذا الأمر مجالاً خاصاً لها. كانت الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض، بغض النظر عن مدى خطورة الانتهاكات وإلحاحهاـ الغزوات، والهجمات الجوية، والاحتلال، والمستوطنات غير القانونية، وهدم المنازل، والتطهير العرقي، والسجن الجماعي، والاستيلاء على الأراضي، وما إلى ذلك! في عام 2021، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا رئيسيًا يظهر أن إسرائيل تنتهج سياسة الفصل العنصري. ونشرت منظمة العفو الدولية تقريرا مماثلا في عام 2022. ومن الواضح أن فلسطين كانت مسرحا لانتهاكات جسيمة للسلم والأمن الدوليين، ومع ذلك، لم يتحرك المجلس ولا يستطيع أن يتحرك. ولا حتى لوقف الإبادة الجماعية.
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض 89 مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945 حتى أوائل عام 2024، وكان من بين هذه الفيتوات 45 مرة لوقف القرارات التي تنتقد إسرائيل. كما استخدمت واشنطن التهديد باستخدام حق النقض في كثير من الأحيان. خلال الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة والذي بدأ في عام 2023، استخدمت الولايات المتحدة التهديدات باستخدام حق النقض (الفيتو) والفيتو الفعلي على القرارات التي دعت إلى الحد الأدنى من الخطوات المتعلقة بالسلام. ولم تتردد واشنطن في الإضرار بسمعة مجلس الأمن والقانون الدولي”.
وينهي مقدمته للطبعة العربية بالقول: الخلاصة الواضحة للعيان، أن مجلس الأمن مؤسسة مختلة وظيفيا بشكل خطير. ويمتلك أعضاؤها القياديون أكبر القوات العسكرية في العالم والأسلحة النووية بما يكفي لإشعال الكوكب. إنهم يقاتلون باستمرار في الحرب، ومستعدون دائمًا لمتابعة المنافسات بغض النظر عن التكلفة. يجب على المواطنين في جميع أنحاء العالم أن يستيقظوا ويتخذوا الإجراءات اللازمة. معًا، يجب علينا انتزاع السيطرة على عملية صنع السلام من المحاربين وزعماء الموارد. ولكي نعمل بفعالية، يجب علينا جميعا أن نفتح أعيننا. لهذا السبب أكتب هذا. نحن بحاجة إلى أن نفعل المستحيل، وأن ننشئ مؤسسة تجسد تطلعاتنا إلى السلام والشرعية والتضامن الدولي، مؤسسة تضع الأممية والعدالة الاجتماعية موضع التنفيذ. هذا ما جعلني أبدأ العمل في الأمم المتحدة منذ سنوات عديدة، وجعلني أفكر وأكتب وأتحدث عن هذا الموضوع منذ ذلك الحين.
لأهمية هذا العمل، وفي وضع دولي جعل من الصعب على الضحايا شراء قوتهم اليومي، فكيف بهم في شراء كتاب، قرر المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان تقديم الطبعة الإلكترونية مجانا، وقررت منشورات زمكان المسؤولة عن الطباعة الورقية بيع الكتاب بتكاليف الطباعة.