مداخلة الباحث همام داؤد في ندوة: صفقة القرن: طريق إلى السلام أم خريطة طريق للفصل العنصري (الأبارتايد) الدائم؟ التي عقدت عبر الفديوكونفرنس بتاريخ 16/03/2020 في مقر المعهد الاسكندنافي لحقوق الانسان كيف تعزز الجماعة الدولية بشكل غير مباشر نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين - "صفقة القرن" – أنموذجاً
أعلنت المُدعية العامة للمحكمة الجنائِية الدولية فاتو بنسودة في بيان لَها في 20 ديسمبر 2019 بشأن جرائم الحَرب التي اُرتُكِبت في فِلسطين، أقّتَبس: “أنا مُقتنعة بُوجود أساس مَعقول للمُضِي في التحقيق في الوضع في فِلسطين، وفقاً لـِ المادة 53 (1) من النظام الأساسي.”. إنّه بِالتأكيد تَقدّم في حالة فِلسطين، تَقّدم أدَّى إلى رُدود هِستيرية غَاضبة من الحُكومة الإِسرائيلية وحَليفتها الولايات المتّحدة. وفي الواقع، يمكن اعتبار هذا الموقف معياراً لِلعدالة الدُولية. من المُهم أن نذكر أنّه في عام 2012 مَنحت الأُمم المتحدة فِلسطين “دولة مُراقب غير عُضُو”، بينما ظلَّ المُجتمع الدُولي صامتاً تِجاه وحشية نظامِ الفصلِ العُنصري في إِسرائيل الذي تَجاوز نِظام جنوب إفريقيا القَديم قبل عام 1994. ومع ذلك، تَبنّى مِجلس الأمن التَابع للأُمم المُتحدة “القَرار 2334″، قبل ثلاث سنوات فقط. الذي أكَّد أن المستوطنات في الأراضي الفِلسطينية المُحتلة غير شرعية، وأنه لن يتمّ الاعتراف بأيَّةِ تغييرات أُحادية الجَانب على حدود ما قبل عام 1967، كما أَدانَ جَميع أَعمال العُنف ضد المدنيين، بما في ذلك الإرهاب والاستفزاز والتدمير. ماذا يعني ذلك؟ وهل هُناك أمل في تحقيق العدالة للفلسطينيين قريباً؟ في هذا الوضع تأتي صفقة ترامب لتُعَبّر عن العَكس تماماً: لا دولة للفلسطينيين، وبدلاً من ذلك، سيتم فرض – نظام بانتوستان – بالقوّة. كانت بانتوستان (المعروفة أيضًا باسم وطن بانتو، وطن أسود، ودولة سوداء أو وطن ببساطة) إقليماً وضعته إِدارة الحِزب الوَطني (الأبيض) لجنوب أفريقيا جانباً للسكان السُود في جنوبِ إفريقيا وجنوبِ غرب أفريقيا (الآن ناميبيا)، كجزءٍ من سياسة الفصل العُنصري.لقد كان بيانَ المدعي العام للمحكمةِ الجنائية الدولية قراراً جريئاً وضرورياً لمصداقيةِ العدالة الدولية، على الرغمِ من أنَّه جاءَ متأخراً للغاية، لكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبداً.وحتى الآن، كان المرء يتوقع أن التحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية ستجري قريباً … ولكن لا يبدو ذلك!!فقد “أوضحت” فاتو في البيان أنه قبل التحقيق، هناكَ قضايا قَانُونية وَوَقائِعية مُتنازع عليها يَجِبُ مُعَالجتها، وهي قَضية “الأَرض”، أو بعبارة أخرى، ما هي فلسطين بالنسبةِ للمَحكمة الجِنائية الدُولية؟ سيؤدِّي عَدم الاعتِراف بفلسطين كدَولة ذات سيادة إلى إعاقة التحقيق وبالتالي تأخير العدالة إلى إشعار آخر بالنظر إلى أنَّها واحدةٍ من ثلاثِ طُرق مُمكنة لإجراء التَحقيق. إلا أن ذلك يعني أن المَحكمة لا فَاعلية أو دَور لها في بلدٍ محتل، بتعبير آخر في كُل ما يَتعلَّق بالمادَتين السابعة والثامِنة المُتَعلقتين بِجرائم الحَرب والجرائم ضدَّ الإِنسانية، هذا حتى لا نتحدث في جريمة العدوان المُعلقَّة التَعريف في المَحكمة. وسَتكون هذه سابقة مُحطِمة لِمصداقية المَحكمة الجِنائية الدُولية في حال وضعت فِلسطين أو انتهاكات تحدث على أرضها، خارج اختصاصها. في وقت تَخوض الولايات المتّحدة حرب تصفية لأي دور للمحكمة الجنائية الدُولية على الصَعيد العالمي. مِن المعروف أن هناك طريقة أخرى، عبر الإحالة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهنا ستستخدم الولايات المتحدة حق النقض بشكل غير مفاجئ. الطريقة الأخيرة المُمكنة هي في ضَوء المادة 19 (3) التي ذكرها خطاب المُدّعية العَامة، وهنا تقع مسؤولية إقامة العدالة على عاتق الضحايا كأن نقول أنَّ المجتمع الدولي (IC) لا تَشمله المسؤولية.سيؤدي عدم اكتراث المحكمة الجنائية الدُولية، إلى تفاقم الوضع، طالما أنَّ إسرائيل تستفيد من الإفلات من العقاب الذي تتمتع به بامتياز، وصفقة ترامب خير دليل على ذلك. ويصبح المخرج الأهم لضحايا الفصل العنصري والإستيطان، اِعتراف الأمم المتحدة بفِلسطين كدَولة. ما الذي ننتظره؟ وماذا قد يوفِّر هذا الاِعتراف؟ على غرار المُقاطعة الدُولية لجنوب أفريقيا في التسعينات، سيُساعد هذا الاعتراف الفلسطينيين على المُضي قدماً في آليات المحكمة الجنائية الدولية. وبعبارة أخرى، ستحصل فلسطين على أداة لوقف الضمّ وسرقةِ الموارد من الأراضي الفلسطينية. كما سيساعد ذلك الفلسطينيين في الضغط على الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، للخروج من السلبية المهينة التي يمارسها بعضها، سواء تحت الضغط الأمريكي-الإسرائيلي، أو رغبةً بتقديم أوراق حِسن سُلوك للأقوى، وليكون لها صوت وموقف في هذه القضية. الإعتراف بدولة فلسطين وسيلة أساسية لمواجهة إفلات إسرائيل من العقاب، ووقف انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي. أخيراً ، سيكون الاتحاد الأوروبي فعالاً في محاسبة إسرائيل بمجرد الاعتراف بفلسطين كدولة. لن يبقى الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه مجرَّد قُرّاء بيانات “رَفع عَتب” أخلاقي. هذا الاعتراف سيدفع الدول الأوروبية، بضغوط من أحرارها وحقوقييها لفرض عقوبات على إسرائيل، بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي هو من أكبر الاقتصادات في العالم. المُقاطعة وسَحب الاستثمارات وفَرض العُقوبات (BDS)، هو اسم حَركة عالمية وسلمية بقيادة المجتمع المدني الفلسطيني، الذي يسعى إلى الضغط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان على النحو الذي تتطلبه العديد من قرارات الأمم المتحدة.تواجه BDS الآن حركة مضادة تدعمها القوانين والإجراءات التنفيذية التي اتخذتها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وبعض الهيئات التشريعية للولايات في الولايات المتحدة، من أجل قمع وحظر، وفي بعض الحالات، تجريم الدعوة إلى BDS، إلى جانب تجريم الممارسة القانونية لحرية التعبير. متى ستعبر المجتمعات المدنية العالمية بشكل كاف عن الشجب والمواجهة لهذا الحركة المضادة التي تشرع الاحتلال والقتل والقمع؟ أخيرًا وليس آخرًا، إن عدم الاعتراف بدولة فلسطين، يعوق فَعالية الوِلاية القَضائية العَالمية في مُحاكمة الأفراد الإسرائيليين المرتكبين لجرائم خطيرة ضد القانون الدولي – مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتعذيب – في عدة دول كبيرة في العالم، هذه الجرائم التي تضر بالمجتمع الدولي (IC)، وتُبقِي إسرائيل خَارج نطاق المسؤولية القانونية في جرائِمها ضد الفلسطينيين وممارستها جريمة الأبارتايد، وأخيرا إعطاء فرص أكبر لترامب ونتانياهو لفرض مثل هذه الصفقة على جميع الفلسطينيين.———————
همام داؤد – مناضل سياسي وحقوقي، باحث في المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان