هؤلاء حملة السلاح،بعض من خارطة السلاح في سوريا/ نبراس دلول
تظهر خريطة الحرب في سوريا أن المواجهة لايمكن أن تكون، فيما يخص السيطرة والمشروع، إلا بين الجيش السوري وتنظيم داعش. باقي الجماعات المسلحة ستكون فرق عملة في قتال الطرفين خصوصاً وأن حجمهم البشري الى تراجع والتنظيمي الى تقهقر (باستثناء ربما احرار الشام التي لازالت كتنظيم يحظى بالتماسك(1).
يسيطر الجيش السوري على المحافظات التالية إن بشكل كامل أو شبه كامل (السويداء- دمشق- حمص وحماة- طرطوس واللاذقية) يضاف الى ذلك سيطرته على مدن نوعية في درعا كالصنمين وعلى ما يقارب نصف مدينة حلب بالإضافة الى مدينة ادلب وله حضور أمني وعسكري في دير الزور والحسكة.
في حين يسجل هذا الشهر سيطرة داعش على ما تبقى من محافظة دير الزور لتمتد غرباً الى أطراف مدينة سلمية (والمنطقة الصحراوية الفاصلة بينها وبين تدمر) مما يجعلها على مرمى حجر من مدينتي حمص وحماة. أضف الى ذلك حضورها القوي في ريف الحسكة وأجزاء من شمال شرق حلب ومركزها القوي هناك في الباب وجرابلس.
تنظيم جبهة النصرة يصارع من أجل البقاء في وجه داعش، وبعد معارك ريف دير الزور ورمزية خسارة التنظيم لقرية الشحيل ( مسقط رأس الجولاني) بات هذا التنظيم يسيطر فقط على قرى متناثرة غير مترابطة بين الرقة وحلب. يضاف الى ذلك ان التنظيم خسر الكثير من مقاتليه لصالح داعش.***
يبرز هنا دور أحرار الشام لناحيتين: الأولى تماسك التنظيم الذي يقوده حسان عبود، وهو على الرغم من ان عدد مقاتليه لايتجاوز ال 20 الفاً في أحسن الأحوال إلا انه لم يشهد انشقاقاً بين صفوفه كما أن توزعه الجغرافي ساعده على ان يكون بيضة قبان في كثير من محطات التحالفات بين قوى التطرف.
فأحرار الشام شاركوا خلال العام والنصف الماضي في عديد المعارك ” ألإستراتيجية في سوريا بينها احتلال معلولا( أيلول من ثم كانون اول 2013) و احتلال كسب ( آذار 2014) بالإضافة الى حصار فرع المخابرات الجوية في حلب (نيسان 2014) التي خاضها بشكل رئيسي تنظيم جيش المجاهدين والأنصار ذو الكثافة الشيشانية.
الثاني: يعتبر تنظيم أحرار الشام من أكثر التنظيمات عملاً إغاثياً، وهو التنظيم الوحيد الذي سوق لنفسه في هذا المجال، حيث ان له ذراعاً إغاثيةً قامت وتقوم على توزيع السلل الغذائية وماشابه وتحديداً في حلب (حيث يسيطر على اجزاء من المدينة) وريف دير الزور الشمالي-الغربي.
قوة عسكرية أخرى، ولكن كما النصرة وأحرار الشام، لن يكون له تأثير يذكر على مستقبل المعركة في سوريا وهو تنظيم جيش الإسلام بقيادة زهران علوش والذي يسيطر فقط على غالبية مناطق الغوطة الشرقية والذي استطاع نهاية الشهر الماضي وبداية الحالي (تموز) من القضاء على وجود داعش في بعض قرى الغوطة مثل ميدعا.
ليس لجيش الإسلام قوة امتداد جغرافي وهو يعوض ذلك من خلال تحالفه مع أحرار الشام والنصرة وصقور الشام وغيرهم من خلال الجبهة الإسلامية التي تأسست في تشرين الثاني 2013. يستطيع علوش الصمود في وجه أي عملية عسكرية ضده، إن من قبل النظام او من قبل داعش، لامتلاكه قوة بشرية وعتاد نوعي ” كالدبابات” بالاضافة الى اهتمامه بالمؤن وسواها. فبحسب ناشطين زاروا الغوطة العام الماضي، فإن زهران علوش يمتلك مخازن واسعة وكبيرة تحتوي مؤن وأدوية ولا يتم التصرف بها إلا بإشرافه مباشرةً.
على الصعيد الشخصي، يعتبر علوش الأكثر حركة بين قيادات الجبهة الإسلامية. فقد سجل العام الماضي قدرته على تخطي حصار النظام للغوطة الشرقية وتوجهه لأداء العمرة في السعودية في رحلة قيل عنها وحولها الكثير من قضايا مرتبطة بالسلاح والمال والبرنامج والتحالفات. كما أظهر شريط فيديو بثه جيش الإسلام ( نهاية شهر حزيران الفائت وبداية رمضان) علوش، وهو يحضر مقاتليه للهجوم على ميدعا لمواجهة ما أسماه (عصابة البغدادي)، فذكر في معرض كلامه زيارة قام بها للتعزية في ريف حلب وإدلب مما يوحي بحرية الحركة والتنقل التي يتمتع بها على الرغم من الحصار من جهة وانكشاف طريق البادية المؤدي بين الغوطة والشمال السوري من جهة ثانية!!
حاولت التنظيمات المحلية الأقوى ( النصرة وجيش الإسلام وصقور الشام وأحرار الشام) التوحد لمواجهة توسع داعش من جهة ولتلافي الأضرار التي ستؤدي لها محليتها الضيقة مواجهة النظام من جهة ثانية، وذلك في تشرين الثاني 2013 حين اعلنوا عن تأسيس الجبهة الإسلامية والتي ضمت أيضاً لواء التوحيد المرتبط (بشكل أو بآخر) بقادة من الإخوان المسلمين.
في حلب وريفها الغربي، وفي ريف ادلب عموماً ، تتقاسم هذه التنظيمات مناطق صغيرة ولولا توصلهم الى تحالف فيما بينهم لكانوا مستمرين في الصراع والاقتتال. تجدر الإشارة الى أن العامل الذي ساعد على تحقيق التآلف ضمن الجبهة الإسلامية كان العلاقة الشخصية التي تربط كل من زهران علوش وحسان عبود وأحمد عيسى الشيخ بعضهم بعضاً. فالثلاثة كانوا في سجن صيدنايا وأفرج عنهم في حزيران 2011 وعلى ما يبدو فإن تحالفاً، وأحلاما، عديدة وطموحات كبيرة تربطهم الى بعضهم ومع بعضهم البعض!!
منذ نهاية العام الماضي 2013، ورسمياً في بداية العام الحالي 2014، جرت محاولة قادتها دول الجوار والخليج لإقناع الأميركيين والغرب بضرورة تسليح المعارضة السورية عن طريق إيجاد تشكيل عسكري يقدم للأميركيين على أنه ” تشكيل عسكري ثوري معتدل أو حتى علماني”!!! فالتردد الاميركي والغربي كان ولازال بسبب تركيبة وبرنامج القوى المسلحة التي تقاتل النظام لجهة تطرفها وارتباطها بمفاهيم وهابية ولا ديمقراطية.
رسمياً، وبتاريخ 27-28 كانون الثاني 2014، ظهر تنظيم ” حزم ” الى الواجهة على اعتباره فصيلاً مقاتلاً ذو برنامج ووجه علماني ومدني. حصل ذلك بمباركة غربية تجلت بضغط الأميركيين على سليم ادريس ليكون حاضراً ساعة اعلان التنظيم عن نفسه (من المعلوم أن الألة الدعائية الغربية عملت على تسويق ادريس خلال 2012-2013 على اعتباره الوجه المدني المعتدل لمن يقاتل النظام السوري).
ما حاول الاميركيون ومن معهم تقديمه على انه وجه مدني للمقاتلين ( تمت مباركة ذلك أميركياً من خلال تقديم صواريخ تاو لحركة حزم بعيد تشكيلها، بشكل غير رسمي، وعن طريق طرف ثالث) سقط على محك الواقع، فقد تبين أن اسم حزم ليس سوى اختصار الأحرف الأولى لجملة ( حركة زمن محمد) كما ان الحركة سرعان ما قامت بالمشاركة في الهيئات الشرعية وبالتحالف في بعض الاماكن والمعارك مع النصرة وفصائل أخرى متطرفة.
اليوم، تتذبذب حركة حزم في تحالفاتها ومشاريعها، فهي على ما يبدو باتت على قناعة أنه لا يمكنها التمدد أبعد من بعض القرى والمطارح في ريفي حلب وادلب. فبالأمس القريب أعلنت الحركة ( الأول من أذار 2014) عن مصالحات وعودة للعمل المشترك بينها وبين النصرة وأحرار الشام وفجر الشام من خلال غرفة عمليات أسموها “الفتح المبين لقتال الكافرين” ! كانت خطوة التسويق لحزم بحضور إدريس وبرئاسة للحركة تعطى لخمسة أشخاص على رأسهم الملازم أول عبد الله عودة تهدف أولاً وأخيراً لإظهار هيئة الأركان العامة، التي كان يقودها إدريس، بزي من يمتلك قوة على الأرض بعد ان أبان العام 2013 عن أن ما يسمى هيئة أركان الجيش الحر ليست سوى ضباط بدون عسكر!! في الحقيقة، فقد ساعدنا وجود حركة حزم في ان نتحدث عن حركة واحدة لا عن 22 فصيلاً هي مكونات حزم قبل 27-01-2014.
لجهة النظام، وبعد أن خسر الآلاف من مرتادي الخدمة العسكرية، فإن اللجوء لظاهرة اللجان الشعبية، من ثم الدفاع الوطني، كان شيء لابد منه لمواجهة الحرب العسكرية. واليوم، يبدو ان حجم قوات الدفاع الوطني بات يقدر بمائة ألف مقاتل. هنا، وعلى الرغم من أن النظام متماسك لجهة كونه قوة عسكرية، فإن قوات الدفاع الوطني باتت عبارة عن ميليشيات يخافها الناس على الرغم من مرجعيتها للنظام. يعتمد النظام على قوات الدفاع الوطني في عديد الاماكن ولكنه أبداً لا يتمكن من إخضاع تصرفاتها للمحاسبة .
في ذلك، يمكن الحديث عن ظاهرة الحواجز في مدينة سلمية والتي وصل صيتها الى أبعد بقعة في سوريا لجهة كون ما يسمى حاجز” كازية الجزيرة” يباع بالساعة بين عناصر الدفاع الوطني واللجان الشعبية. فمن المعلوم أن هذا الحاجز يقوم على النقطة التي هي الأن ” عقدة المواصلات ” في سوريا ولا يمكن لحافلة أن تتجه الى حلب او الى الى دمشق أو الى حمص دون المرور منه ودفع “المعلوم” والتي وصلت الى 7000 ليرة سورية عن كل حافلة نقل حلبية ( بشهادة اثنين من ركاب احدى الحافلات التي كانت متجهة يوم الجمعة 18-07-2014 من حلب الى دمشق). هذه الحوادث وغيرها يستحيل أن تحال الى المحاسبة رغم المحاولات مما يؤكد الطبيعة الميليشاوية لذلك لها.
في نهاية صيف العام الماضي، توجهت لرؤية بعض الأصدقاء في مدينة اللاذقية التي اتصلت منها باثنين من الأصدقاء الآخرين من مدينة جبلة وسألتهم اللقاء في اللاذقية مساء ذاك اليوم. حضر الأصدقاء من جبلة لكنهم لم يلبثوا أن باتوا ليلتهم معنا رافضين العودة الى جبلة رغم ان الساعة لم تتجاوز التاسعة مساءً!! علل الأصدقاء ذلك لانتشار مجموعات اللجان الشعبية الموالية للنظام وقيامهم بعمليات خطف وابتزاز موصوفة على طريق اللاذقية-جبلة.!!
من المعلوم أن عدداً من الأحزاب السورية الكبيرة والصغيرة تؤيد النظام السوري وتتحالف معه، ولعل أكبرها وأهمها الحزبين الشيوعيين ( بكداش وفيصل) والقومي السوري، إلا أن أياً من تلك الأحزاب لم تعمل على حمل السلاح دفاعاً عن النظام باستثناء الحزب السوري القومي الاجتماعي ( وزيره جوزيف سويد) الذي يعد المليشيا الحزبية الوحيدة التي تقاتل الى جانب النظام.
لا أعتقد أن عدد مقاتلي الحزب بالأهمية الكبيرة، إلا أنهم يلعبون دوراً هاماً في المؤازرة وقد افتتحوا مقرات علنية في السويداء ودمشق وصافيتا ولهم عدد لا بأس به ممن سقطوا دفاعاً عن النظام ويقوم الحزب بتشييعهم علناً تحت شعار: قضى دفاعاً عن سوريا ضد يهود الداخل.
الى هذا، يبدو أن الحزب السوري القومي الإجتماعي قد بات يحظى بدعم يتجاوز السلاح الخفيف، ففي الثامن من شهر تموز 2014 شاهد الكثير من الذاهبين الى الساحل السوري، على محور اوتوستراد حمص-طرطوس، عربتين مصفحتين، تشبهان هيكل الدبابة، مفتوحتان في الظهر ومثبت عليهما رشاشي دوشكا مع بعض العناصر وكانتا متجهتين من طرطوس باتجاه صافيتا او تلكلخ وفي مقدمتيهما شعار الزوبعة.
المقاتلون الأجانب:
في الحديث عن الجماعات المسلحة في سوريا فإن من الصعب أن يتم غض الطرف عن المقاتلين الأجانب في صفوف تلك الجماعات وذلك لدورهم المحوري في تحقيق الانتصارات لهذا الطرف او ذاك.
على جبهة النظام، كان لحضور حزب الله ومقاتلين عراقيين وإيرانيين حضوراً بارزاً في عام 2013، وقد تجلى ذلك في أربع محطات رئيسية.
الأولى معركة القصير في أيار 2013 والتي نتج عنها الوصل الأمن بين المنطقة الوسطى والساحل وكان لحزب الله الدور الأهم فيها. الثانية وتجلت في ضبط بعض مناطق النظام في مدينة حلب وذلك من خلال مقاتلين عراقيين. أما الثالثة فكانت في تأمين طريق يربط دمشق بحلب عن طريق محور سلمية-خناصر وكان الدور الإيراني بارزاً في ذلك ليس على مستوى الحضور العسكري فقط وإنما أيضاً على مستوى وحدات الهندسة. المحطة الرابعة كانت في معركة يبرود وجرود القلمون في شباط الماضي والتي تمت بمساعدة حزب الله اللبناني.
أما الجماعات المعارضة للنظام، فإن تشكيلاً واحداً منهم يصعب أن لا تجد فيه عنصراً أجنبياً باستثناء تلك المجموعات المسلحة الصغيرة كفيلق الرحمن الذي يتخذ من جزء صغير من الغوطة الشرقية مقراً له.
ولعل السمة الغالبة في المقاتلين الاجانب انهم ينتمون الى فكر وثقافة تنظيم القاعدة وهناك قسم كبير منهم مطلوب على لائحة الإرهاب العالمية. ومن الجدير بالذكر، ان وجود المقاتلين الاجانب في سوريا قد سمح لاحقاً، وبحكم كثرتهم ونموهم العددي، في تشكيل ما يعرف بجيش المهاجرين والأنصار بقيادة أبو عمر الشيشاني والذي كان له دور هام في محاصرة مبنى المخابرات الجوية في حلب في نيسان 2014.
مؤخراً، تناقلت وسائل الأنباء عن قيام حوالي 50 الفاً من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا بتخطي الحدود للالتحاق بوحدات حماية الشعب الكردية (اليابغا) *وهي الوحدات التي تسيطر على ريف الحسكة الشمالي بمدنه الهامة: القامشلي –عامودا- الدرباسية-المالكية.
كما أنه، وخلال الأسبوع الثالث من هذا الشهر تموز 2014، أعلنت الإدارة الذاتية للمناطق الكردية عن نيتها فرض الخدمة الإلزامية للدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها.
الأيديولوجيا والبرنامج*:
كي لا ندخل في البرامج الكثيرة للجماعات المسلحة، تكفي الإشارة الى برامج الجبهة الإسلامية ( التي من خلالها نتلمس رؤى 7 قوى أساسية وهي الموقعة على برنامجها) وداعش بالإضافة الى النظام والإدارة الذاتية.
تتشابه الطرق التي يدير بها داعش المناطق التي يسيطر عليها مع تلك المتبعة في مناطق الجبهة الإسلامية. ففي كليهما، هناك انعدام للحياة السياسية بالإضافة الى حرمان المواطنين من الحريات الفردية والاجتماعية. إن الحياة في حلب ، حيث الجبهة الإسلامية بقيادة احرار الشام، لا تختلف كثيراً عن الحياة في الرقة أو الباب، حيث داعش. ففي حلب تقوم الجبهة الإسلامية بجلد كل من يتخلف عن الصلاة وتمنع محلات بيع الكحول وتفرض الحجاب وتسوق المواطنين سوقاً الى الجلد في الساحات العامة عند الاستمرار في فتح المحال التجارية او القيام بنشاط عام في اوقات الصلوات الخمسة. تمنع الجبهة الإسلامية أي نشاط فكري او مادي للحركات المدنية والعلمانية كما تقوم بسجن من يشتبه بعلمانيته أو تقوم بإعدامه، كما حدث العام الماضي مع الدكتور محمد أبيض.
أما في الرقة ومناطق داعش، فإنها تفعل كما الجبهة الإسلامية وتزيد عليهم في العمل الدءوب على حرق الكنائس وتهجير المسيحيين وباقي الأقليات بالإضافة الى العلمانيين. أضف الى ذلك ان كلا الفريقين يمنع ، بل ويحارب، القانون بمعناه الحديث. لذلك تراهما قد حولا المحاكم بأنواعها الى محاكم شرعية وبدل ان يتوكل مهام الدعوى فيها محامون ملمون بما توصل اليه العقل البشري من قوانين جنائية وسواها، فإن القاضي والمحامي واحد وهو أي دارس أو حافظ للقرآن الكريم!!
في وثيقتها التأسيسية ترفض الجبهة الإسلامية الحديث عن أي مشروع ديمقراطي، وتؤكد في ثنايا أهدافها على نبذ كل ما هو عصري من محاكم مدنية وطرق محاكمات وحكم للدولة يبنى على المفاهيم المدنية الحديثة.
أما في مناطق الإدارة الذاتية الكردية فهي المناطق الوحيدة، الى جانب المناطق التي يسيطر عليها النظام، التي يتمتع فيها المواطنون بحق الحياة بغض النظر عن الانتماء الديني او العرقي. إن مناطق الإدارة الذاتية ومناطق النظام هما المناطق الوحيدة التي يمكن ان تشاهد فيها مجموعات عرقية وطائفية متنوعة تمارس طقوسها الدينية والمذهبية بأريحية تامة ودون تعرض لها. ويسجل في مناطق الإدارة الذاتية حضور قوي للسياسة وللأحزاب وذلك على العكس من مناطق النظام التي يستحيل العيش فيها مع السياسة!! خلال تجوال ميداني امتد طيلة عام وشهرين وشمل كل من السويداء –دمشق- حمص-حماة-الساحل السوري كان من الواضح أن مناطق النظام هذه يعيش فيها جميع أتباع المذاهب الدينية وحتى القومية دون التعرض لأحد في مذهبه وطريقة عيشه، فقط المعارضة العلنية السياسية ممنوعة وممارسة أي عمل معارض ممنوع، ماعدا ذلك فإن نزوح مئات ألاف النازحين من حلب وإدلب وغيرهما الى مناطق الساحل السوري (معقل النظام) وعيشهم هناك بحريتهم ووفق دينهم منعت. وكلمة للتاريخ ، تحول الصراع الى صراع طائفي وهذه نقطة تسجل للنظام.
تعادي داعش والجبهة الإسلامية أي فكر حداثي كما تقاتلان في سبيل خنق الحريات الفردية والاجتماعية ولا تسمحان أبداً في العمل لأجل الديمقراطية في سوريا بل فقط لأجل إسقاط الأسد وإقامة دولة دينية إسلامية وفق ما يرونه هم من صحيح الإسلام.
وإذا كانت معركة الجيش السوري ضد داعش والجبهة الإسلامية هي معركة حق فإنها لطالما اصطدمت بالإدارة السياسية الفاشلة التي يقودها النظام الذي الى الآن يمتنع عن الانفتاح على المعارضة المدنية السلمية التي ، إن لم تعطه شيء، فإنها الوحيدة القادرة على تقديم غطاء سياسي وإعلامي يفتح الباب لتحويل الوضع من صراع بين السيئ والأسوأ الى صراع شعب يحمل مشروعا ديمقراطيا حرا ضد جماعات متطرفة وإرهابية.
القوة الديمغرافية*:
اذا كانت بداية المقال تتحدث عن أن القوتين الرئيستين عسكرياً هما النظام السوري وداعش فإن قوة أخرى لا يمكن غض الطرف عنها، ألا وهي القوة الديمغرافية. حيث من الواضح أن المناطق التي يسيطر عليها النظام باتت تحوي الثقل السكاني السوري الأكبر، قياساً بالبشر الموجودين تحت سيطرة داعش أو الجبهة الإسلامية. هذا الثقل السكاني يعطي النظام ورقة رابحة وهي الخدمة الإلزامية، او حتى التطوع. فعندما تأتي العائلات من حلب الى الساحل ومن دير الزور الى دمشق ومن درعا الى السويداء فإنه يستحيل أن لا ترسل أبناءها الى الخدمة الإلزامية في الجيش السوري. هذا عدا عن قيام هؤلاء بنشاطات تجارية وشغل يسهم بتحرك الكتلة النقدية الموجودة في سوريا أساساً.
حتى الآن وعلى المدى المتوسط والطويل، يبدو ان إختراق المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي تمتد من السويداء جنوباً الى دمشق فحمص مع تفرع قصير نسبياً الى اليمين، حيث مدينة سلمية وجزء من ريفها الشرقي، وتفرع اطول ومهم الى اليسار حيث الساحل السوري بوزنه البشري من سكان ونازحين، هي مهمة مستحيلة. كما ان قدرة النظام على تحقيق انتصارات في المنطقة الشرقية هو أمر بدوره يحتاج الى وقت طويل أضف الى ذلك القضاء على الجيوب المحاصرة في الغوطة الشرقية او الجيوب الكبيرة فيما بين حماة وحمص والتي لن يحققها النظام في قادم الأيام.
أين المشروع الوطني الديمقراطي في التغيير:
مع هذه المعطيات، ومع كون أن أي طريقة ونهج حياة وبنيان دولة سيتحقق في سوريا سيكون مرهوناً بالهوية التي تقف خلف السلاح المنتصر. فإن أي برنامج ديمقراطي سلمي يستحيل تحقيقه طالما ان الأطراف المشاركة في العملية السياسية تقدم برامجها بقوة السلاح!!
لذلك فبرنامج التغيير الديمقراطي وشعارات آذار 2011 هي الخاسر الوحيد حيث لم يتحقق شيء منها على الأرض. هنا، يجب على حملة شعارات آذار 2011 أن يقوموا بوقفة طويلة مع الذات ومراجعة حقيقية ودون خجل من الواقع والتاريخ ، وهذا ما يعمل عليه كاتب هذه السطور، وأكرر، أنه انطلاقاً من الاعتراف بأن الخاسر الوحيد مما يحدث الآن في سوريا، وأياً كانت هوية المنتصر وأياً كانت نوعية استبداده، هو التيار المدني الديمقراطي السلمي وبرنامجه في التغيير.
(1) ليست القوة فقط في السلاح، على ان السلاح الأقوى اليوم هو بين يدي النظام الذي يمتلك منظومات صواريخ متطورة الى جانب الدبابات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة. أما المعارضة المسلحة ،بما في ذلك داعش والنصرة، فإن السلاح الوحيد الذي لاتمتلكه هو منظومات الصواريخ المتطورة في حين أن الدبابات باتت جزء من استراتيجيتها العسكرية بدءاً من ناحية عام 2012. واليوم تمتلك داعش لايقل عن 20 دبابة في الوقت الذي تم توثيق امتلاك جيش الإسلام في الغوطة لخمسة دبابات.
* يرجى الرجوع الى برنامج و وثيقة تأسيس الجبهة الإسلامية للتوسع في الموضوع بالاضافة الى مقابلة كل من حسان عبود والجولاني مع قناة الجزيرة.
** يضاف الى القوة الديمغرافية التي يملكها النظام قوة قانونية تتجلى في سيطرته على 13 مركز محافظة
*** تأسست داعش في نيسان 2013 بقيادة أبو بكر البغدادي بينما تأسست جبهة النصرة في نهاية العام 2011 بقيادة الجولاني ويذهب الكثيرون للقول أنها تأسست في كانون الثاني 2012 وهذا خطأ برأي.
**** تأسست وحدات حماية الشعب اليابغا في أيار عام2012
نبراس دلول