دكتاتورية النحن  أو إعادة انتاج الأبارتايد

دكتاتورية النحن  أو إعادة انتاج الأبارتايد

أوراق ودراسات لطلبة المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان المشاركين في الدورة التكوينية القادمة للكوادر حول:

القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان بعد سقوط  الترامبية  وصفقة القرن

أواخر مارس/آذار 2021

العنصرية البنيوية في يهودية الدولة

                                                                 هيثم مناع

ترتبط قضية اللاجئين الفلسطينيين بثلاث قضايا وتتداخل معا جدليا: الأولى القضية الفلسطينية، ووجهها الآخر دولة إسرائيل والثانية هى قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ووجهها الآخر قضية السلام، والثالثة هى قضية استقرار المنطقة العربية ونمائها وخصوصا قضية الديمقراطية فيها، ووجهها الآخر المأزق العربي اليوم. ولا تحتوي الحلول المطروحة حاليا على تغيير في الطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل ، ولا تقترح لا امتصاصا مندرجا لشحنتها، ولا تفكيكا لعنصريتها التي تتفاقم، لم يبق من الممكنات غير أن تعيد الضحية ترتيب نفسها وتعريفها لهويتها، وأن تتغير. إنها الضحية التي يتوجب عليها في هذا السياق أن تتراجع في كل جولة تفاوضية خطوة إضافية أخرى إلى الخلف لكي تصبح قادرة على أن تلتقي بجلادها الذي يمعن في الابتعاد وفي التحصن في داخل موقعه كجلاد.

                          محمد حافظ يعقوب، بيان ضد الأبارتايد،1999  

إذا كانت الثورة الفرنسية، بإقرارها حقوق الإنسان والمواطن، قد وضعت حدا لأية صيغة قانونية تنال من حق اليهود والأقليات الدينية غير الكاثوليكية في المواطنة الإسمية والقانونية الكاملة، مسجلة بذلك أولى وأهم إنجازات الحداثة السياسية، فقد سعت الحركة الصهيونية منذ نشأتها للتأكيد على أن هذا الإنجاز ناقص وغير ذي معنى دون الإعتراف باليهود كشعب، وحق هذا الشعب في بناء كيان قومي سياسي مستقل له. ومهما كانت التداخلات بين الدين واللغة، بين الطابع الشرقي لليهودية أي شمولية شعائرها وتدخلها في شؤون الحياة مع امتلاكها لغة خاصة، والبصمات الأوربية للصهيونية، فقد كان المشروع القومي اليهودي محاولة لقلب عقارب الساعة بحيث تدور بشكل معاكس للتاريخ والتقدم. لقد جمعت الإيديولوجية الصهيونية ثنائية عجائبية في مزجها بين مفهوم تاريخي لتعريف المواطن ولقانون العودة وبطاقة الهوية القانونية والمدنية التي تغرف جميعها من مرجعية دينية من جهة، والكيبوتز والدولة البرلمانية التعددية واقتصاد السوق المتشرب من حليب الرأسمالية الغربية ومدارسها الإشتراكية من جهة ثانية. وكما أن النازية كانت العامل الحاسم في الهجرة الأوسع إلى فلسطين، فإن هزيمة الرايخ مع ما حملت من تأقلم وانخراط في المجتمعات الغربية لعدد كبير من يهود الدياسبورا أصبحت العامل الأساس في تحديد طبيعة الشرائح البشرية المهاجرة وطبيعة أنصار إسرائيل في الغرب بنفس الوقت. أي لم تعد الدولة العبرية تستقبل العناصر الأكثر انفتاحا والأقل تعصبا في الجاليات اليهودية، كون هذه العناصر قد وجدت في دولها القومية التعبير الأفضل لنمط حياتها الفردي والعائلي، بل باتت الهجرة شبه محصورة بالجماعات المتعصبة والمتدينة بالدرجة الأولى. هذه الجماعات، التي ما زالت في طور اكتشاف جوار تجهله وتخاف منه، لم تلبث أن تحولت إلى قوة سياسية واقتصادية واجتماعية في التوازن الإسرائيلي الداخلي الذي حوّل الأحزاب المتطرفة إلى أحزاب سلطة منذ وصول مناحيم بيغن لرئاسة الوزراء. وكان من سوء طالع اليسار الإسرائيلي أن الغالبية الكبيرة من غير المتدينين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا، الذين تهافتوا مع الهجرة اليهودية الأكبر منذ 1948، لم يحملوا مشروعا ثقافيا أو تنويريا بقدر ما شكلت جماعاتهم الأكثر تنظيما مافيات لتجارة اللحم الأبيض والمخدرات والسلاح والسوق السوداء، كما وصفها بدقة تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية في تسعينيات القرن الماضي.

 

لقراءة الملف

the-dictatorship-of-us or-the-reproduction-of-apartheid