من وسائل مواجهة التطرف المذهبي في الإمارات

من وسائل مواجهة التطرف المذهبي في دولة الإمارات العربية المتحدة 

مقدمة من المحرر

في سابقة خليجية، أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قانونا خاصا تحت مسمى “مكافحة التمييز والكراهية”. وإن كانت فكرة قوننة مناهضة التمييز والكراهية مطلب يتعدى الحدود العربية والإسلامية، ونجد المجتمعات المدنية تطالب به في العديد من البلدان الغربية وبلدان الجنوب، إلا أن صدور هذا القانون له أهمية خاصة من حيث كونه يحمل صفتي الوقاية وحماية التماسك المواطني قبل أن يكون رد فعل على حدث داخلي أو مشكلة مجتمعية.

من الضروري التذكير بوجود أصوات قوية في بلدان مجلس التعاون الخليجي تطالب بهكذا قانون. فبعد جريمة الدالوة الإرهابية في نوفمبر 2014 دعا عضو مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية محمد رضا نصرالله، إلى سنّ نظام واضح وصارم، يجرّم مثيري الفتنة الطائفية، لحماية البلاد من شرورها. وقال في مجلس العزاء بالضحايا: “بهذه المناسبة التي تجلت فيها أروع معاني التكاتف بين الدولة والمجتمع، أدعو مجلس الشورى، بوصفه مجلسا للتشريع وصناعة القوانين، أن يبادر من فوره نحو سنّ نظام واضح في مراميه، وصارم في تطبيقاته، مجرّما كل مثير للطائفية، وأي متورط في فعلها، لنحمي بلادنا من شرورها، مؤكدين على ضرورة نزع أية كلمة من مناهج التربية والتعليم، وحذفها من أية وسيلة من وسائل الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني، ومصادرة أي كتاب أو مطبوعة، تدعو إلى الفرقة والتمييز الطائفي أو القبلي أو الإقليمي». وقال: «أدعو من هنا وزارة الثقافة والإعلام ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، نحو المسارعة لصياغة خطاب ثقافي وطني، لكل أطياف المجتمع السعودي ومكوناته، انطلاقا من مواد النظام الأساسي للحكم، الناصة على لمّ الشمل الوطني، ومعاقبة الخارجين عليه”. (الشرق السعودية، 9/11/2014).

من الجدير بالذكر أن المشروع المقترح من الدكتور محمد رضا نصر الله والدكتورة ثريا عبيد مكّون من 13 مادة، وهو يجرم التحريض على الكراهية أو التمييز أو التعصب ضد الأشخاص بسبب انتمائهم العرقي أو القبلي أو المناطقي أو المذهبي أو الفكري، وتتمحور أهدافه، في صيانة تماسك النسيج الاجتماعي من مخاطر النعرات العرقية والقبلية والمناطقية والطائفية والتصنيفات الفكرية المهددة للسلم الأهلي والوحدة الوطنية، وتطرقت مواد مشروع النظام للعقوبات الجزائية والغرامات المالية لكل خارج على الإجماع الوطني، الذي تنتظره عقوبة السجن بمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على السنوات الخمس، إضافة إلى غرامة مالية لا تزيد على نصف مليون ريال.

وشددت المادة التاسعة في مشروع النظام المقترح على أنه في الأحوال التي يرتكب فيها أي فعل من الأفعال المحظورة في هذا النظام «شخصية اعتبارية»، ودون الإخلال بالمسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي، فتتم معاقبة الشخص الاعتباري بغرامة لا تزيد على مليون ريال إذا ارتكبت الجريمة باسمه أو لحسابه، كما يجوز الحكم بإلغاء الترخيص من مزاولة النشاط.

وفي المادة العاشرة وضع المقترح الشخص المشترك في الجريمة في نفس المسؤولية الجنائية المترتبة على الفاعل وبالعقوبة ذاتها.

وقد أعطى مشروع النظام المقترح الحق بمصادرة الوسائل والأموال والصحف والمطبوعات التي استعملت في ارتكاب الأفعال المحظورة فيه، وأتاحت مبدأ مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة أو التجاوز محل التجريم، على أن تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق والادعاء في الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، ولها تحريك الدعوى العامة فيها. ويقترح المشروع وضع برامج دورية وخطط لترسيخ مفهوم المواطنة ومكافحة النعرات والطائفية والفكرية العرقية والقبلية المناطقية والمذهبية المؤدية إلى التمييز العنصري، والعمل على تعزيز التفاهم والتعايش والإخاء بين المواطنين والمقيمين.

لقد نشرت الكاتبة سعاد الشمراني مقالة هامة في صحيفة عكاظ (24/05/2015) مقالة بعنوان: “قانون تجريم الطائفية ضرورة ملحة”. وكذلك فعل عدد هام من الصحفيين والكتاب في المملكة. وثمة مشروع قانون بهذا الخصوص مطروح منذ زمن، ولكن للأسف لا يعود الحديث فيه، إلا بعد عمل إرهابي أو قتل مذهبي.

رغم أن صرخات المطالبة بهكذا قانون تعالت في الكويت والمملكة العربية السعودية، جاء الصدى من دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصدرت قبل أربعين يوما من هذه الندوة قانون “مكافحة التمييز والكراهية وقد حرصنا على أن يتحدث في الندوة رئيس جمعية الإمارات لحقوق الإنسان الأستاذ محمد سالم بن ضويعن الكعبي لإعطاء فكرة ولو موجزة عن هذا الموضوع، وفيما يلي نص مداخلته:

الفكرة ونص القانون :

صدر قبل شهر وتسعة ايام ودخل حيز التنفيذ يوم (28) آب/أغسطس القانون رقم (2/2015) تحت مسمى “مكافحة التمييز والكراهية”، يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.

لماذا صدر هذا القانون؟

كما هو معروف، لم يصدر هذا القانون كرد فعل على حدث إرهابي أو سياسي، كما أن النقاش في هذا الموضوع في الإمارات العربية المتحدة لم يكن أيضا موضوعا خلافيا. ويمكن أن أقول أن هذا القرار جاء ضمن سياسة الوقاية أولا واحترام الالتزامات الدولية على صعيد حقوق الإنسان بترجمتها في القوانين الوطنية. وكمسؤول في جمعية حقوقية غير حكومية، أسجل بأننا لم نتلق أية شكاوى على صعيد التمييز والشحن المذهبي والعنصري.

إن كان الشائع في هذه الايام لفظ “سنة وشيعة” فمن الضروري القول: نعم يوجد في الإمارات مواطنون من الشيعة… هل هم أقلية ؟ إن كان بالعدد ؟ نعم هم أقلية، لكن هل هناك أي شكل من أشكال التمييز بين مكونات المواطنة ؟ الجواب لا، وبالتالي هم ليسوا أقلية أو أغلبية، هم مكون أساس من مكونات الوطن يتمتع بكل حقوق المواطنة.

بالرغم من عدم وجود هذه الظاهرة في دولة الامارات إلا أن القانون صدر، كما قلت، كإجراء قانوني وقائي من هذه الآفة التي باتت متواجدة في دول المنطقة. فمع ظهور تنظيمات متشددة “كداعش والقاعدة”، تنسب نفسها لأهل السنة، ومع وجود من يشحن ويعبئ عبر أقنية مذهبية (سنية كانت أم شيعية) للعداء والكراهية والتكفير. وكون عدد كبير من المؤمنين يعتمد في ثقافته الدينية على الخطب والبرامج الدينية ووسائل التواصل الإعلامية والعنكبوتية، كان من الضروري، مرافقة الرد الثقافي والمعرفي على خطاب التطرف والمذهبة في إطار قانون مستلهم من روح حقوق الإنسان وثقافتنا السمحة القائمة على التعايش والتكافل والتكامل.

لقد بدأت دولة الامارات من فترة طويلة بتحديد عناوين ومواضيع خطبة الجمعة بالذات، لمكافحة أي توظيف للدين الحنيف لأغراض تخالف روح الإسلام. ولكن من الواضح أنه في عالم جعلت ثورة الاتصالات والفضائيات منه قرية صغيرة أصبح الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي ليس فقط وسيلة نقل للمعارف وتواصل بين الناس بل أيضا وسيلة للجريمة المنظمة وتجارة الأطفال وصناعة الموت والتحريض المذهبي والتمييز العنصري.

وما من شك أن من الأشياء التي حثت على اصدار هكذا قانون، شيوع الفضاء الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث شمل القانون (الجرائم الالكترونية) للحد من ومنع التحريض الديني والمذهبي ووضع حد للخطباء على اختلاف منابرهم.

من الجدير بالذكر أنه في دولة الإمارات للمسيحيين كنائسهم وللبوذيين والسيخ مراكز تأدية طقوسهم على موتاهم.

أكد هذا القانون على نقاط خمس تمس مباشرة احترام حرية المعتقد والأديان هي:

  • التطاول على الذات الالهية او الطعن بها او المساس بها.
  • الاساءة لأي من الأديان أو أحد شعائرها أو مقدساتها أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها أو التشويش على “على كافة شعائرها” او تعطيلها بالعنف أو تهديد “الممارسات الدينية المرخصة”.
  • التعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو التدنيس أو الاساءة بأي شكل من الأشكال.
  • التطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو أهلهم أو أصحابهم والسخرية منهم والمساس بهم والاساءة اليهم.
  • التخريب أو إتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة والمقابر والقبور أو أي من محتوياتها.

وتتفاوت العقوبات بين السجن لستة اشهر وصولا الى العقوبة القصوى وهي الإعدام بحسب شدة الجرم.

المادة “12” تنص على السجن لمدة لا تقل عن عام لمن يعد او يوزع مادة تحض على ازدراء الأديان أو تثير خطاب الكراهية أو التمييز (مصورة كانت أو مسجلة أو مكتوبة) .

فيما يخص الاعفاءات (متى يعفى المتهم؟) حددت بطريقتين:

ان قام احد الجناة بالتبليغ قبل الكشف عن الجناية.

           ان ادى اعتراف الجاني امام القاضي الى القبض على باقي الجناة “فيحق للقاضي اعفاءه من الجريمة”

           في الفقرة “20”:

           من نقاط قوة القانون التأكيد على الفارق بين التمييز الإيجابي والتمييز المجرّم. فلا يعد تمييزا محظورا بتطبيق أحكام هذا القانون كل ميزة أو افضلية أو منفعة تقرر بموجب أحكام أي تشريع آخر بالدولة “للمرأة، الطفل، ذوي الاعاقة وكبار السن وغيرهم.

في حين نلاحظ في مفهوم التمييز الذي يجرمه القانون توسيعا في المفهوم العام المتداول في الوثائق الدولية ليشمل حالات ناشئة في المنطقة:

“كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل بين الافراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الاثني”.

   مداخلة الأستاذ محمد سالم بن ضويعن الكعبي رئيس جمعية الإمارات لحقوق الإنسان،  قدمت في ندوة أقامها المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان حول التطرف المذهبي في الشرق الأوسط .حق المعرفة وحرية الاعتقاد جنيف  5-6 سبتمبر 2015.