قضية خاشقجي!

قضية خاشقجي!

ماجد حبو

الجريمة، لا يوجد اليوم طرف واحد يتبناها أو على الأقل يرفض التحقيق والمحاكمة والتجريم والعقوبة فيها…

أين الخلاف إذن؟

الحكومة السعودية تعتبر أن الجريمة قد وقعت على أرض سعودية، وقام بها عناصر يحملون الجنسية السعودية بحق مواطن سعودي. لم توقع المملكة على اتفاقيات دولية أو ثنائية تتعلق بالعدالة الجنائية، وبالتالي، القضاء السعودي وحده يملك الإختصاص في التحقيق والمحاكمة. وهو صاحب القرار في التعاون أو عدمه مع السلطات القضائية أو الأمنية في تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.

الحكومة التركية تنطلق من أن الجريمة قد ارتكبت في اسطنبول، بحق صديق للحكومة والحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية)، وأن مجرد ارتكابها، من أي طرف كان، يعتبر اعتداء على السيادة التركية وسمعة البلاد وأمن الجمهورية. وبالتالي، من حق تركيا أن تكون شريكا في التحقيق والمحاكمة، سواء عبر القضاء التركي أو تحقيق ومحاكمة ذات طابع دولي.

المخابرات المركزية الأمريكية، التي تقودها سيدة متهمة بجرائم تعذيب، تسعى لأن تعطي شهادة حسن سلوك دولية، باعتبارها تدافع عن العدالة والحقيقة، “بغض النظر عن موضوع المصالح القومية والتحالفات السياسية”…

الرئيس الأمريكي ترامب يسعى لتحجيم وتحديد الخسائر في وقت هو بأمس الحاجة فيه للحليف السعودي.

مليار ونصف صيني يقفون في موقع المتفرج…

الرئيس الروسي، الطامح لبناء علاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع المملكة ومصر، يعتبر أن هدف القضية ليس الحقيقة أو العدالة، وإنما ولي العهد في المملكة. وبالتالي يرفض المشاركة في مغامرة سياسية خاسرة وفق تقديرات أجهزته الأمنية. فوفق خبير روسي بشؤون الشرق الأوسط: “القضاء التركي يلقي تهمة اغتيال سفير روسيا في أنقرة على غولن، هذا الإتهام يشبه بيانا سرياليا يمكن أن يصدر عن الحكومة السعودية يتهم مجموعة شيعية موالية لإيران بتنظيم اغتيال خاشقجي؟؟ من يثق بنزاهة القضاء التركي اليوم؟”.

أوربة الغربية في موقع لا تحسد عليه، فقد أدخلتها الإدارة الأمريكية السابقة والحالية في معركة عقوبات على دول منتجة للطاقة (من روسيا إلى إيران) وليس بوسعها توسيع الدائرة لتشمل المملكة العربية السعودية. ثم كيف تثق بالقضاء التركي والحكومة التركية ترفض عبره، قرار المحكمة الأوربية بإطلاق سراح زعيم حزب الشعوب الديمقراطية ديميرداش؟

بقي موضوع التدويل القضائي… لكن هذا الملف يحتاج في أي قرار قابل للتنفيذ من قبل الأمين العام للأمم المتحدة لموافقة مجلس الأمن. الأمر الذي سيعطي روسيا الاتحادية والصين الشعبية فرصة لعب دور جوهري في الملف، وبالتأكيد ليس هذا في صالح المخابرات المركزية الأمريكية أو الرئيس أردوغان.

الأمر إذن من الناحية العملية، ينحسر في استمرار حملة إعلامية وعرض عضلات ومقايضات سياسية فوق الطاولة وتحتها للاستثمار في جريمة قتل بشعة.

تتفق الدولة العميقة والبيت الأبيض على ضرورة الإمساك بالقرار السعودي، ليس في ملفات حقوق الإنسان، وإنما في التوجهات الأمريكية الكبرى في المنطقة. سواء تعلق الأمر بالحرب الباردة مع إيران وروسيا، أو في ما يسمى “صفقة القرن” وحماية الحليف الإسرائيلي، أو في مسار الحروب المحلية في المنطقة وبشكل خاص في سوريا واليمن. ورغم كل مظاهر التوافق المعلنة في الإعلام الموالي للمملكة، اعتمدت سياسة الملك سلمان وولي العهد على بناء جسور مع روسيا الإتحادية والصين الشعبية تسمح لها بالتنفس خارج مطالب الحليف التاريخي والاستراتيجي (الولايات المتحدة). فلا يمكن للمملكة العربية السعودية لعب دور قيادي في العالمين العربي والإسلامي في وقت تقبل فيه بدور المسهل والمنفذ لمشروع يبصر المنطقة من خرم إبرة المصالح الأمريكية والإسرائيلية المباشرة والضيقة. ومن الملاحظ أن الحملة على السعودية قد سبقت اغتيال خاشقجي بإسبوعين عندما وجه الرئيس ترامب إهانات مباشرة لحليفه السعودي الذي وقع اتفاقا مع روسيا حول أسعار النفط. وإذا كان من هدف لاستمرار الإبتزاز لقضية خاشقجي من الطرفين التركي والأمريكي، فليس ذلك لإقامة العدل أو إحقاق الحق، وإنما لزعزعة الدور السعودي في المنطقة: تعتبر تركيا الأردوغانية نفسها في حالة استعداد كامل لقيادة “العالم السني”، فيما عبر عنه يوسف القرضاوي بالخلافة التي تشكل استمرارا لأمجاد السلاجقة وبني عثمان. أما الإدارة الأمريكية فمركز اهتمامها إضعاف مراكز القرار في السعودية لتصبح أكثر انصياعا لسياساتها.

لسنا ممن يعتقد أن “الهستيريا الإعلامية” تسقط أنظمة سياسية، ولكنها بالتأكيد تترك عقابيل وجروح، وتخلق أحقادا وثارات طويلة الأمد. ولعل الرد الأنسب عليها من المملكة العربية السعودية، يكون في:

  • السعي الجدي لوضع حد للمأساة اليمنية،
  • بلورة مبادرة عربية من أجل الحل السياسي للقضية السورية،
  • التمسك بالمبادرة العربية التي انطلقت من المملكة حول القضية الفلسطينية،

 هذا على الصعيد الإقليمي، أما على الصعيد الداخلي، فاعتماد سياسة جسور بناء الثقة مع المجتمعين الأهلي والمدني، فليس بالإمكان الخوض في إصلاحات جديرة بالاسم وامتلاك قرارات سيادية إقليمية ودولية كبرى، دون الإعتماد على القوى الحية في المجتمع.

ماجد حبو  

عضو المجلس الاستشاري في المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان/قيادي في تيار قمح

لقراءة التقرير كاملا:

Crime Report SIHR-1