مستويات الحكم اللامركزي

مستويات الحكم اللامركزي: الحماية القانونية لفكرة عدم تركيز السلطة.

( جدلية العلاقة بين بناء الدستور وعمق اللامركزية كتطبيق لمبدأ سيادة الشعب في مراحل ما بعد الصراع).

الكاتب: د. محمد خالد الشاكر

دكتوراه دولة في القانون الدولي

مقدمة

يقول مونتسيكو في كتابه الشهير روح الشرائع ” السلطة جموح، ولا يحد السلطة إلا السلطة”. وإذا كانت هذه المقولة هي الأساس لمبدأ الفصل بين السلطات ، فإن هذا المبدأ ظل لمراحل طويلة من عمر الفقه القانوني فصلاً جامداً، لم يتمكن من كبح جموح و تغوّل السلطة التنفيذية وتدخلها في باقي السلطات، قبل أن تتطور عملية قصر استخدام السلطة من قبل الحكومة لتصبح آلية دستورية، تعمل على تحديد شكل الدولة وشكل النظام السياسي عن طريق اللامركزية، التي تهدف أولاً وأخيراً إلى عدم تركيز السلطة في المركز، وبما يعزز مبدأ سيادة الشعب.

تُعرف اللامركزية بأنها مفهوم واسع يشمل العديد من الأفكار ويرتبط بمجالات مختلفة، فهو يدخل في مجال السياسة والاقتصاد والإدارة، ولكنه في معظم المجالات يتركز على فكرة واحدة تتعلق بنقل أو تفويض جزء كبير من السلطات والمسؤوليات والوظائف من المستوى الوطني ( الحكومة المركزية) إلى  المستوى المحلي1، و تُعتبر اللامركزية – حسب أليكسيس دو توكفيل- مرادفاً للحكم الرشيد، ويعزو إليها نجاح الديمقراطية بسبب وجود حكم محلي ذي صلاحيات كبرى، وهي نتيجة طبيعية من نتائج مبدأ سيادة الشعب2.

كما تُعرف اللامركزية بأنها مصطلح مناطقي تُمنح فيها السلطات والصلاحيات إلى مستويات الأقاليم والمحافظات والمستوى المحلي. وبالتالي فهي توزيع سلطات الحكم وصلاحياته بعيداً عن المركز الوطني إلى مؤسسات أخرى وعلى مستويات أخرى من الحكم أو الإدارة. ومن الناحية السياسية تعتبر اللامركزية الحل الأمثل لمشكلات ما بعد النزاع، إذ يشكل توزيع الصلاحيات مقدمة لتحقيق حكم فعال ومتجاوب، كما يؤمن توسيع نطاق الحصول على الخدمات الحكومية والموارد الاقتصادية، والتشجيع على مشاركة الجمهور في الحكم.  كما تساهم اللامركزية في تشكيل هيكل حكومي تعيش في إطاره المجموعات المتنوعة معاً وبسلام، والسماح للأقاليم المهمشة أو الأقليات بإيجاد موطئ قدم لها داخل النظام، وبالتالي دعم استقرار البلاد عبر إقناعها بالولاء للدولة3.

يشكل تصميم الوحدات الإدارية، التحدي الأكبر لواضعي الدستور، وتعتبر معايير تشكيل الوحدات الفرعية ذات أهمية قصوى، إذ يقوم واضعو الدستور بإنشاء وحدات فرعية، إما على أساس الجدوى الاقتصادية والإدارية، أو على أساس إنشاء وحدات فرعية قائمة على الهوية ( اللامركزية اللامتناظرة).

الدراسة:

Decentralized levels of government