اللجنة الدستورية، وديناميات بناء الدولة السورية

اللجنة الدستورية، وديناميات بناء الدولة السورية

– المبادئ الدستورية العامة

– إصلاح المؤسسات

– شكل النظام السياسي

د. محمد خالد الشاكر

دكتوراه دولة في القانون الدولي

مقدمة

يحق للسوريين أن يتساءلوا: ما لذي يمكن أن تقدمه اللجنة الدستورية التي أصبحت ” واقعاً” لابد منه، بعد توافقت عليها جميع الأطراف المتصارعة المحلية منها والإقليمية والدولية، لاسيما وأنها حملت معها دلالات مؤداها: أنْ لا علاقة  للأطراف السورية ( نظاماً ومعارضة) بمجريات ما يجري، في خضم صراع دولي وإقليمي على النفوذ، الذي أصبحت معه الجغرافيا السورية مكسراً لعصا التجاذبات الدولية والإقليمية. فالنظام الذي رفض حتى مخرجات سوتشي وتمترس بأحقيته في تشكيل اللجنة بعيداً عن الأمم المتحدة، معتبراً ذلك ” حقاً سيادياً” ، انصاع إلى الرؤية الأممية بعد ضغط روسي واضح. وكذلك المعارضة الرسمية- التي استأثرت بالتفاوض لسنوات- فقد هرولت مسرعة نحو حجز مقاعدها في اللجنة، بعد أن كانت منذ أشهر قليلة تعتبر سوتشي خيانة، ولا تقبل بأقل من رحيل رأس النظام قبل بدء المرحلة الانتقالية.

ولدت اللجنة الدستورية من رحم مفاوضات عقيمة دامت ما يقارب الثلاث السنوات ( منذ صدور القرار 2254 تاريخ 18 كانون أول 2015)، وتركزت على فكرة الإطاحة برأس النظام قبل بدء ” المرحلة الانتقالية”، في الوقت الذي كان فيه الحديث عن الدستور فهو “خيانة”، فالشعب السوري هو من يقرر كتابة دستوره في بلده.

مع الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية، يحق لأي سوري أن يتساءل: إلى أين تسير العملية السياسية، وكيف تحول – بسرعة خيالية-  من نصبوا أنفسهم ” صقوراً للمعارضة” إلى “حمائم”، تبحث عن مقعد لها في هذه اللجنة، في تجاهل واضح لأبسط المواقف الوطنية، وأبسط بديهيات العمل السياسي، التي تستدعي إقرار الطرف الذي لم يحقق رؤيته الاستقالة والاعتذار من الشعب السوري، لا لشيء فقط احتراماً لملايين المشردين والشهداء والمهجرين واللاجئين، الذين وضعتهم المعارضة الرسمية في أتون حراكها، فكانوا مجرد وقوداً لخطابات شعبوية، استفاد منها النظام بدءً من الرهانات الخاسرة سلفاً على جماعات إسلاموية عابرة للوطنية، والترحيب بها، بالرغم من كونها مصنفة إرهابياً في إطار القرار الذي قبلوا التفاوض على أساسه.

لقد عاني السوريون خلال هذه المرحلة، ما لم يعانيه شعب في التاريخ المعاصر. إذ خسرت المعارضة الرسمية كل مكتسباتها على الأرض بدءً من حلب وانتهاء بما يوحي بسيطرة كاملة للنظام السوري، في إطار رؤية جديدة للقوى الدولية والإقليمية، ترى في ذلك مقدمة للعملية السياسية، أمام معارضة أثبتت تبعيتها وارتهانها، وشللها، أمام كل ما يُرسم لها في إطار المصالح الذاتية للدول وحسب.

 في إطار فقه القانون الدولي، المتتبع لتاريخ الصراعات الداخلية منذ نهاية الحرب الباردة، يلاحظ إنّ عمليات بناء السلام التي أُجريت في إطار الأمم المتحدة، كانت تقوم على موجة من الإصلاحات الدستورية، التي ترتكز على ديناميات إزالة تركيز السلطة، إما بشكل أفقي عن طريق المشاركة التي تحدد شكل النظام السياسي رئاسياً كان أم برلمانياً أم شبه رئاسي – مختلط،  أو بشكل عمودي عبر توزيعها على مستويات أدنى من خلال اللامركزية في إطار ما يعرف بـ ” الدسترة ” أو” بناء الدساتير كعملية ذات التزام طويل، تبدأ بالأخذ بالظروف العيانية الماثلة، عندما تصبح الحلول المباشرة أمراً  مستعصياً، بسبب التجاذبات الحادة بين الأطراف المتصارعة.

في إطار العملية السياسية في سورية، و منذ قبول جميع الأطراف المحلية السورية بتشكيل اللجنة الدستورية في إطار الأمم المتحدة، يمكن القول أن العملية السياسية أصبحت– في إطارها العام- تمتلك الأدوات التي تمكنها من البدء في حل عقدة التفاوض، التي ارتكزت على فكرة الحكم ، كفكرة اختصرت العملية السياسية في سورية لسنوات من الاستعصاء، لتعود من جديد في إطار عملية قانونية تدريجية، بما يعرف بـ ” عمليات بناء الدستور”، التي تقوم على فكرة دستورية أساسية، تعمل على عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين مؤسسات الحكم، وفي مقدمتها دراسة الخيارات الممكنة لإزالة تركيز صلاحيات السلطة التنفيذية عبر التفاوض وبشكل ديمقراطي، في عملية تسيرها الأمم المتحدة، والفاعلين الدوليين لتمكين القوى المحلية من التغلب على حالة الانقسام الحاد، بدءً من تأسيس مؤسسات مستقلة قادرة على تذليل الأسباب التي أدت إلى نشوب الصراع؛ والبدء بعملية السلام عبر عملية بناء الدستور، التي أصبحت المسار الأساسي للعملية السياسية.

الدراسة:

constitutional-committee-and-the-dynamics-of-syrian-state-building